أشرفت وزيرة الثقافة خليدة تومي أمس على حفل تدشين «قناع الغرغون» بالمتحف الوطني للآثار القديمة والفنون الإسلامية، الذي استعادته الجزائر من تونس بعد اكتشافه بقصر صخر الماطري صهر الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، وهي التحفة الأثرية التي تمت سرقتها من متحف «هيبون» للآثار بعنابة سنة 1996.
أكدت خليدة تومي في كلمة لها بحضور شخصيات سياسية ودبلوماسية احتفاء بهذا الحدث، أن استرجاع هذا الممتلك التراثي، وقبله «رأس الملك ماركوس أوريليوس» في 2006، ورأس امرأة سنة 2009 من ألمانيا، هو خطوة في مسار محاربة المتاجرة غير المشروعة بالممتلكات الثقافية، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي سرق فيه «قناع الغرغون» خلال العشرية السوداء، تم تسجيل أيضا سرقة عدد هام من المسكوكات البرونزية من مداوروش الأثري بسوق اهراس سنة 1994، إضافة إلى سرقة العديد من التحف الأثرية المصنوعة من الرخام ترمز إلى اعتقادات دينية وأخرى تعود إلى الحقب الرومانية.
وأضافت تومي أن الجزائر تعرضت خلال التسعينيات إلى نزيف تراثي حقيقي من مناطق حدودية لبلد شقيق وهي تونس، مؤكدة أن سرقة «الغرغون» للأسف لم يكن الحالة الوحيدة، حيث طالبت وزيرة الثقافة خليدة تومي في ذات السياق من تونس التجند إلى جانب الجزائر للبحث والكشف عن تلك الممتلكات الثقافية للشعب الجزائري، مؤكدة على أن نداءها سيجد أذانا صاغية.
وذكّرت تومي بالاتفاقية التي تم توقيعها خلال شهر فبراير الماضي بمناسبة انعقاد الدورة الـ 19 للجنة العليا المشتركة الجزائرية ـ التونسية، والتي تتضمن إعداد برنامج للتبادل الثقافي 2014 ـ 2015 وينص على إحداث لجنة مشتركة تتسع لخبراء التراث من البلدين لمحاربة ظاهرة المتاجرة غير المشروعة للمتلكات الثقافية.
وأضافت تومي بأن شعبا بدون ذاكرة هو شعب بدون مستقبل، مشيرة إلى أن قناع «الغرغون» تمت سرقته خلال العشرية السوداء، حين كانت الجزائر تواجه لوحدها وبكل شجاعة الإرهاب والتطرف، وقد كانت فترة مناسبة ـ حسب قولها ـ لإلحاق الخسائر بهذا البلد، لا سيما وأن القوى الحية للأمة كانت منشغلة في الدفاع عن الجمهورية وأمتها.
استرجاع قناع الغرغون ـ تقول وزيرة الثقافة ـ هو استرجاع ممتلك تراثي للأمة الجزائرية، كونه يمثل جزءا من كيانها الاجتماعي وهويتها الثقافية الوطنية.
وأشارت خليدة تومي أنه بعد سرقة قناع «الغرغون» تم رفع القضية لدى مصالح الانتربول خلال نفس السنة، بعد إعداد بطاقية تتضمن تفاصيل تقنية، حيث تم إصدار بيان بحث دولي عن التحفة، وفي خضم الأحداث التي مرت بها تونس في 2011 ظهر القناع خلال شريط تلفزيوني مصور، وأثناء ذلك سارعت وزارة الثقافة بإرسال وفد من الخبراء إلى تونس لمعاينة التحفة الأثرية، وبعد التأكد من ملكية الجزائر لها شرعت في إعداد ومتابعة كل الإجراءات الضرورية لاسترجاعها، بما فيها الإجراءات الدبلوماسية، وبعد الاتفاق بين البلدين سلمت الحكومة التونسية للجزائر «قناع الغرغون» أول أمس الأحد في حفل أقيم في متحف قرطاج بتونس بحضور وزيري الثقافة الجزائري والتونسي.
إضافة إلى ذلك لم تفوت خليدة تومي فرصة التنويه بجهود المصالح المختصة لقطاعها، إلى جانب فرقة الأمن الوطني المكلفة بمحاربة المتاجرة غير المشروعة بالممتلكات الثقافية، ومصالح الأنتربول ووزارتي الشؤون الخارجية والعدل، لعودة القناع إلى مكانه الأصلي.
للإشارة تم اكتشاف «قناع الغرغون» سنة 1930، أثناء الحفريات التي قام بها عالم الآثار «شوبو» بالقرب من الساحة العامة لـ»هيبو ريجيوس» بعنابة، حيث كان يزين واجهة النافورة العمومية للمدينة.
«الغرغون» المصنوع من الرخام الأبيض يزن 320 كيلوغراما، تمت سرقته من موقعه في ليلة الرابع إلى الخامس من مارس 1996 وتم تهريبه إلى تونس، وتشير الدراسات إلى أن أسطورة «غورغون» تعود إلى القصة الإغريقية القديمة، والتي تصور ثلاث أخوات أسطوريات بشعر ثعابين ومظهر مرعب ومن ينظر إليهن يتحول إلى حجر.