لا حديث هذه الأيام إلا عن الدبلوماسية الجزائرية التي تتحرك بفعالية، مرافقة للحل السياسي في ليبيا، مؤكدة على وجوب تحلي المجموعة الدولية بتنفيذ مقررات ندوة برلين الدولية، وجعلها مدخلا للانفراج في البلد الجار الشقيق، بعيدا عن سياسة المكيالين التي تنتهجها قوى خارجية، تطبيقا لحسابات مصلحية ومتطلبات نفوذ وتموقع في خارطة إقليمية مضطربة.
نجحت الدبلوماسية الجزائرية التي أظهرت فاعلية، متجاوزة الوظيفة الكلاسيكية الدفاعية، في تحريك الوضع الليبي، مجندة المجموعة الدولية عبر محاور عدة، حول حتمية العمل العاجل لتمهيد أرضية الحوار بين الليبيين أنفسهم، بحثا عن فرص سلام، ليبيا في أمسّ الحاجة إليها في هذا الظرف الاستثنائي.
في هذا المسعى الجاد، يعد الحوار محطة أساسية لليبيين لمناقشة كيفية مواجهة تحديات الراهن وكوابيس أزمة معقدة تفرض تضحية لعلاجها جذريا، في سبيل بناء دولة مؤسسات تنطلق في تضميد الجرح وإعادة الثقة لأبناء الوطن الواحد، وتحديد مسؤوليتهم في الجنوح نحو سلام عاجل، يخرج بلدهم سالما آمنا من تهديدات حرب مدمرة.
هذه رسالة الدبلوماسية الجزائرية إلى المجموعة الدولية، مشدّدة على تعزيز وقف إطلاق النار بوضع حدّ لتدفق الأسلحة على ليبيا والكفّ عن التدخل الخارجي فيها ودعم طرف على آخر في صورة تمدد شبح الانقسام وتبعد فرص السلام الممكن.
من برلين إلى الجزائر مرورا بعدة عواصم، أسمعت الجزائر صوتها عاليا، وأقنعت الآخرين بموقفها تجاه حل الأزمة الليبية، منتزعة الاعتراف الدولي بقوة وتوازن دبلوماسيتها ودورها المحوري في تسوية النزاعات الإقليمية سلميا.
جدّدت بلادنا هذا الموقف، أول أمس، أمام وزراء خارجية دول جوار ليبيا الذين نوهوا بجهود الجزائر في إعادة الاستقرار إلى البلد الجار، مؤكدين تضامنهم مع ليبيا التواقة إلى أمن وسلام يضع حدا لمأساة تعيشها منذ سنوات، زادها اشتعالا، تدخل القوى الخارجية وشنها حربا بالوكالة فيها، مبقية على حالة اضطراب مزمنة.
الجزائر التي تواجه تهديدات إقليمية بسبب الوضع في ليبيا والساحل، تدرك حجم الخطر إن بقي هذا البلد عرضة لاهتزازات اللاإستقرار، حيث أكدت أكثر من مرة بأنها أول البلدان المعنية بالأمن في البلد الشقيق، مجدّدة استعدادها لاحتضان جولات حوار ليبي- ليبي، استكمالا لجهود قامت بها خلال السنوات الماضية ووجدت التجاوب من أطراف ليبية اقتنعت بجدوى الجلوس معا حول طاولة الحوار والتباحث في خيار السلام بروح مسؤولة، ورؤية توافقية بعيدا عن كليشيهات الماضي وأفكار مسبقة وحسابات ظرفية، تفرض تضحية وتنازلات من أجل سلام، وحدة وسيادة ليبيا الجميع.