وردية سعيدون ضابط بـ«كنان»

نموذج حقيقي يعكس قوة المرأة الجزائرية

فريال بوشوية

تعدّ من بين النساء القليلات اللاتي اقتحمن ميدانا لطالما كان حكرا على الرجل لصعوبته. لم تمنعها واجباتها كزوجة وأمّ من المضي قدُما فيه، رغم أنه ليس بالأمر الهين.
وردية سعيدون تقود بواخر الشركة الوطنية للملاحة التجارية، رغم أن سنّها لم يتعد بعدُ ٣٠ ربيعا، إلا أنها تمكنت من افتكاك مكانة لها بجدارة واستحقاق، بعد تخرجها برتبة ضابط في أعالي البحار.

وردية سعيدون تعد بحق نموذج للمرأة الجزائرية التي تكدّ وتجتهد، بعيدا عن الأضواء والشهرة، رغم أنه في حضورها كل النساء، مهما بلغن من مستويات، يوجهن لها تحية تقدير. صاحبة ٣٠ ربيعا، أبت إلا أن تكون ضمن ضيفات استقبلتهن «الشعب» بمناسبة الثامن مارس، وبتواضع لافت تحدثت عن مسارها وعملها، رغم أن الأمر لا يتعلق بأيّ عمل.
إنها لم تنس ما قدمه لها وطنها، فالفضل يعود له فيما وصلت إليه اليوم. تقول في هذا الشأن، «بلدي قدم لي الكثير، أتمنى له الازدهار والهناء وتجاوز مشاكل الشباب، وفي مقدمتها مشكل البطالة الذي يؤرق الشباب»، مضيفة «أنا ملازم في شركة «كنان» سافرت وتنقلت الى مختلف البلدان وبغض النظر عن الظروف الاجتماعية والمهنية الصعبة، على أمل تحسينها، فإنني وصلت إلى ما أنا عليه اليوم بفضل وطني».
تضطر سعيدون للتنقل ليس عبر البحار فقط، لأنها تقطن رفقة زوجها وابنها الذي يبلغ من العمر ٨ أشهر ونصف كلما جاء دور فريق العمل الذي تشتغل معه، للإبحار وقضاء مدة قد تصل ٣ أشهر في حال الإبحار لمسافات بعيدة.
هذه السيدة الشابة لم تقطع طريقا مفروشا بالورود، إنما عملت جاهدة لدخول هذا المجال الذي لا يتجاوز فيه عدد النساء اللاتي يقدن السفن عدد أصابع اليد في شركة «كنان» في قسم الملاحة التجارية، كان بعد لقاء مع صديق في الجامعة أخبرها بأنه التحق بمعهد الملاحة البحرية ببوسماعيل، فيما كانت تدرس السنة الخامسة تخصص هندسة الآليات بتيزي وزو.
الفضول دفعها إلى الاستفسار واجتياز مسابقة رفقة٢٥٠ متسابق، تم اختيار منهم ٢٢ فقط، بينهم امرأتان. ولم تكن المهمة ولا حتى البداية سهلة، على اعتبار أنها اضطرت إلى المزاوجة بين دراستها في الجامعة (السنة الأخيرة) وفي المعهد السنة الأولى في نفس الوقت، لكنها نجحت في دراسة سنتين من ٢٠٠٧ إلى ٢٠٠٩ وتخرجت من الجامعة، ومن المعهد برتبة ملازم في أعالي البحار، ثم أجرت تربصا ميدانيا دام ١٨ شهرا داخل الباخرة، وعادت مجددا إلى ما بات يصطلح عليه بالمدرسة العليا للبحرية واجتازت امتحانا وعن جدارة افتكت رتبة ضابط في أعالي البحار.
ضابط أعالي البحار، التي تأمل في الالتحاق بالشركة الوطنية للنقل البحري للمسافرين، أوضحت أنها تعمل حاليا في الملاحة التجارية، على متن بواخر تنقل سلعا وحاويات ولا يتعدى طاقمها ٤٠ شخصا.
غير أن بدايتها لم تكن مع شركة «كنان»، وإنما مع شركة «ايبروك» التي تعنى بنقل المحروقات من أرزيو، كانت في حاجة إلى مهندسين في الكهرباء، تم قبولها، إلا أن العمل اضافت تقول ـ كان شاقا؛ ذلك أن المهندس يقوم بعمل ٣ أشخاص والعمل على متن هذا النوع من السفن شبيه بالعمل في المصنع تماما، مع فارق أنه لا يتوقف مادامت الباخرة تشق عباب البحر.
هذه التجربة جعلتها تستأنف تربصها وتتخذ قرار إكمال دراستها بفرنسا، لسنة (٢٠١٠ ـ ٢٠١١)، في تخصص إلكترونيك. وبعد العودة التحقت بالملاحة التجارية «كنان».
الشابة الطموحة، التي تنتظر بشغف كبير تجديد أسطول «كنان» المرتقب في جوان المقبل حيث سيتعزز بـ١٨ باخرة - وتذكّر بأن الاسطول الجزائري خلال عهد الرئيس الراحل هواري بومدين كان يضم ١٠٠ باخرة - جديدة تسهل من عمل الطاقم ككل، وتجعل الشركة ضمن المؤسسات التي تتوفر على أسطول جديد.
مسار وردية سعيدون كان صعبا، ولعل أسوأ ذكرى لها تلك الرحلة التي قامت بها من أرزيو إلى كوريا الجنوبية تم الإسكندرية بمصر، وصولا إلى مرسيليا فرنسا، عندما كانت تعمل بـ«إيبروك» وتعرضت لإجهاض، لأنها لم كانت تجهل مخاطر عملها الشاق كمهندسة كهرباء، الأمر الذي اضطر طاقم الباخرة إلى التوقف بمصر ونقلها إلى عيادة، ثم إجلاءها إلى الجزائر عبر الطائرة لتتوقف بعدها عن هذه المهمة.
وردية، التي تحدثت بصدر رحب لـ«الشعب»، نزلت ضيفة عليها مباشرة بعد عودتها من رحلة بحرية، أوضحت أن مهمتها تتمثل في قيادة الباخرة لمدة ٤ ساعات على أن يتم التداول مع زميلين آخرين لمدة ٨ ساعات يوميا، تضاف إليها ٤ ساعات تقوم خلالها بالصيانة التي تتم أيضا بالتداول خلال ٢٤ ساعة. هذا الإجراء اعتُمد بعد حادثة «تيتانيك»، حيث تم تشديد الإجراءات، إذ يشرف ٣ ضباط على الباخرة، يقوم الأول بالصيانة ومراقبة تجهيزات إخلاء السفينة الموجودة على طرفي هذه الأخيرة، والثاني بمهمة تأمين الحرائق التي تعد العدو الأول للسفينة، فيما يتكفل الثالث بمتابعة الخرائط البحرية وموقع الباخرة، كل ذلك يتم بالتداول على القيادة والقيام بالمهام الثلاث.
وردية سعيدون، كغيرها من الجزائريات، تأمل في غدٍ أفضل للجزائر وشبابها، لا تخفي طموحها، فبعد أن خاضت تجربة الملاحة التجارية، تأمل في الالتحاق بالمؤسسة الوطنية لنقل المسافرين؛ ذلك أن نقل ألف شخص يختلف تماما عن نقل الحاويات، وكما قالت فاليأس لا يعرف طريقا إليها، رغم الظروف المهنية والأجر الزهيد قياساً بالجهد والمخاطر، فهي متفائلة بمرحلة أحسن تزدهر فيها كل المؤسسات الجزائرية المختصة في المجال.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024