الصحافي بوسوسة يتحدث عن آخر لقاء مع صالح ديب:

‘’قال لي أتمنى أن أزور فيتنام وأموت وتحقق له ذلك’’

سعيد بن عياد

قدم الزميل محمود بوسوسة، عميد الصحافيين الجزائريين، شهادته عن صالح ديب الذي رحل ضمن الـ15 صحافيا في حادثة سقوط الطائرة بفيتنام في 8 مارس 1974.
التقى الزميلان في أحد أيام شهر ماي من سنة 1973، بساحة أديس أبابا، كان صالح عائدا من مقر الإذاعة والتلفزيون حيث يعمل مقدم نشرة الثامنة وتوجها إلى بيته بشارع غرمول. كانت الساعة الواحدة والنصف، يقول محمود متأثرا، ‘’تحدثنا مطوّلا ولحوالي ساعة من الزمن عن أحوال ومستقبل الإعلام الوطني الذي كان يرافق مسيرة بناء الجزائر وتشييد دعائم التنمية بما يقود إلى إنهاء ما خلفه الاستعمار’’. وأثناء الحديث، يضيف، ‘’سألته عن أفضل أمنية له، فقال: أتمنى أن أزور فيتنام وأموت’’؛ عبارة صدرت منه بشكل مباشر وعفوي.
وعن سبب اختياره فيتنام، أجاب أن ذلك يعود لسببين: الأول، أن فيتنام عانت من استعمارين ظالمين، الفرنسي والأمريكي. والثاني أن الشعب الفيتنامي الصديق وقف إلى جانب الشعب الجزائري في ثورته على الاستعمار الفرنسي التي فجّرها جيل نوفمبر، فكان حليفا ملتزما إلى النهاية. ويستطرد محمود، الذي أنهى مساره بجريدة المجاهد برتبة رئيس تحرير متخصص بالقسم الدولية قبل سنوات مضت، ‘’لكن يا صالح هناك بلدان أخرى عانت من احتلالين وأكثر، مثل فلسطين الجريحة التي عانت من الاحتلال البريطاني، وتعاني منذ سنة 1948 من ويلات الاحتلال الإسرائيلي’’. ويضيف في شهادته الحية، ‘’اغرورقت عيناه بدموع كلها ألم وصدق مشاعر ثم رفع يده إلى المولى عز وجل قائلا، ياحسرتاه على فلسطين الجريحة’’، تعبيرا عن مركز القضية الفلسطينية في ضميره ولكن أيضا عن الحجم الكبير للمؤامرة التي استهدفتها.
كان صالح ديب رجلا صادقا تعكس الكلمات ما يختلج في صدره من مواقف ومشاعر، فرد يقول: «أكيد عندما يحرّر الشعب الفلسطيني الشقيق كلّ شبر من ذلك البلد الجميل والعزيز من نهر الأردن إلى البحر المتوسط ومن الناقورة شمالا إلى أقصى جنوب صحراء النقب، سأزور فلسطين بحول الله وأصلّي في المسجد الأقصى بالقدس وأتنقل بين المدن التاريخية من الخليل إلى رام الله ونابلس وحيفا ويافا وكل قرية من فلسطين».
لكن، يقول محدثنا، شاء القدر أن يزور صالح ديب بلاد فيتنام في مهمّة عمل لتغطية جولة الرئيس الراحل هواري بومدين، دون أن يزور فلسطين كما كانت أمنيته، وحتى لو بقي على قيد الحياة لن يزورها، لأن فلسطين لا تزال تحت الاحتلال العنصري.
لقد رحل الزميل والصديق، يضيف بوسوسة، مع ثلة من الزملاء إثر تحطم طائرة أونتونوف العسكرية، تاركا وراءه طفلين صغيرين بعامين و6 أشهر. رحل ابن سوق اهراس وعمره لا يتعدى 28 سنة، مخلفا سمعة مهنية وأخلاقية عالية ورحم الله كافة ضحايا الواجب المهني والوطني في تلك الكارثة التي تألم لها كافة الشعب الجزائري وأولهم الراحل هواري بومدين الذي ما إن علم بالفاجعة حتى طلب من مستشاره الإعلامي، محي الدين عميمور، إحضار جوازات سفرهم وانزوى لوحده قبل أن يعود وعيناه محمرّتان، كما رواه عميمور شخصيا أمس بالمجاهد اليومي، داعيا إلى عدم نسيان من لبّوا النداء إلى درجة التضحية خدمة للإعلام الوطني وللوطن، وضرورة تذكّرهم باستمرار، متسائلا بمرارة عما إذا قامت المؤسسات الإعلامية التي فقدت أحد أبنائها في ذلك الحادث بإطلاق اسمه على مرافقها، تاركا ذلك لضمير كل واحد.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024