حلت بعاصمتها فيينا أعقد مسائل المعمورة

النمسا بلد صغير في مصاف الكبار

فنيدس بن بلة

أعطت سفيرة النمسا بالجزائر السيدة «الوازيا  فورغيتر» صورة حقيقية عن الدبلوماسي المثقف المولع بكبريات المسائل وصغرها المدرك بكل الأشياء حامل النظرة البعيدة والقراءة المتأنية لمتغيرات الأشياء وثوابتها.
وبينت السفيرة من منبر «ضيف الشعب» كيف هي العلاقات الدبلوماسية تبنى بين الأمم وتتطور وتجعل من الصعوبات والتحديات قوة انطلاق نحو الأحسن والأكثر استقرارا في محيط جيواستراتيجي دول يتغير باستمرار ولا يبقى أسير القوالب الجامدة. هي حالة العلاقات الثنائية بين الجزائر والنمسا التي توقفت عندها مطولا السفيرة الوازيا فورغيتر كاسفة عن اسباب التطور الثنائي وخصوصيته وتمايزه.
ذكرت السفيرة بقواسم مشتركة بين السياسة الخارجية للجزائر ونظيرتها النمساوية متمثلة في مناصرة القضايا العادلة وتطبيق مصير الشعوب التي تناضل من أجل الحرية والاستقلال. وهي مبادئ ترسخت في الأذهان منذ مدة. تجسدها التفاهم الكلي بين الجزائر وفيينا حول احقية الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة. وهو موقف تجسد في الميدان حيث ظلت النمسا ترافع بلا توقف من اجل القضية الفلسطينية العادلة وتحدت الضغوطات واللوبيات الاسرائيلية.
نتذكر هذا جيدا. نتذكر الموقف المبدئي الذي تمسك به كورت فالدهايم أثناء توليه رئاسة النمسا عام 1986 بعد منصب الأمين العام الاممي وتشديده على أحقية أن ينال الفلسطينيون الحرية أسوة بالدول الأخرى التي وقعت تحت نير الاستعمار. وتزامن هذا الموقف مع موقف ظلت ترافع من اجله الجزائر أثناء توليها رئاسة الجمعية العامة الأممية. وقد أدارها وزيرها للخارجية آنذاك عبد العزيز بوتفليقة باقتدار وعجلت بدخول منظمة التحرير الفلسطينية إلى منبر الأمم المتحدة لأول مرة واعتراف أغلبية الدول بها.
هذه المواقف الثابتة بين الجزائر والنمسا زادت في تقارب البلدين ونسج علاقات تقارب كانت مضرب المثل أعطت صورة مصغرة بين التعاون شمال/ جنوب حيث تتم تقاسم المنفعة والمصالح دون السقوط في الحسابات الجاهزة والأفكار المسبقة والكليشيهات الجاهزة.
تحررت الجزائر البلد الافريقي العربي من هذه القوالب . وتحررت منها النمسا مبدية تفتحا اكبر على المحيط الدولي السياسي المتغير المرسخ على أنقاض الحرب العالمية الثانية منتهجة سياسة الحياد تجاه صراع الكتلتين الشرقية والغربية. وهي سياسة سمحت للبلد الاوروبي بان يكون ليس فقط قلب اوروبا بل العالم برمته ومن عاصمته فيينا تصدر اكبر القرارات واكثرها مصيرية لتعقيدات هزت المعمورة وخلافات ادخلت دولا في حروب غير متناهية.
انها مسائل رصدتها السفيرة فورغيتر وهي تجيب عن السؤال المحير: كيف نجحت النمسا البلد الصغير في قلب أوروبا أن تكون مقررة للسياسات الدولية ومنها جاءت حلول التسوية لأغلب المسائل الدولية وأكثرها تعقيدا ؟
نعم نجحت النمسا في كسب هذا الرهان وصارت محطة الأنظار والاهتمام. فقد اتخذت منها منظمة الأمن والتعاون الأوروبي مقرا لها. واكبر القرارات تهدئة ووفاقا بين القطبية الثنائية اتخذت من فيينا.
كما اتخذت المنظمة الدولية للطاقة من فيينا مقرا لها وصدرت اكبر القرارات في عالم النفط والطاقة الذرية ادركت عندها الأمم في مختلف جهات المعمورة أن النمسا البلد الصغير جغرافيا ما زالت قوى كبرى يحسب لها ألف حساب. وأظهرت كيف يصنع بلد مجده ويكسب الاعتبار وسط الأمم بقوة الدبلوماسية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024