مرسوم يعاقب من يسـيء إلى المؤسسـة العسكـرية
حاورت «الشعب» رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان مصطفى فاروق قسنطيني بمناسبة مرور 8 سنوات على صدور مرسوم المصالحة الوطنية التي اعتبرها مرجعا هاما في سياق تعزيز السلم الاجتماعي. وعرج قسنطيني على الحملة السلبية التي مست المؤسسة العسكرية، وكذا التحضير للرئاسيات وما يصاحبها من تجاذبات كما توقف عن أحداث غرداية والتحولات الاجتماعية التي تعرفها الجزائر.
الشعب: تمر اليوم 8 سنوات على توقيع مرسوم السلم والمصالحة الوطنية، وهي المبادرة التي استرجعت الجزائر من خلالها السلم والاستقرار، غير أن بعض الأطراف تحاول اليوم إعادة النبش في العشرية الدموية لاستهداف المؤسسة العسكرية فكيف تعلق على ما يجري؟
فاروق قسنطيني: بالفعل لقد استغربت تهجم العديد من الأطراف على المؤسسة العسكرية ومحاولتهم النبش في العشرية الدموية لإحداث البلبلة، وأقول لهؤلاء إن نعمة السلم والأمن والحرية اليوم هي ثمرة من ثمار المصالحة الوطنية التي كان وراءها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة والمؤسسة العسكرية، فالمصالحة الوطنية لم تأت من العدم وعلى هؤلاء أن يفكروا مليا قبل أن يصرحوا بكلام غير مقبول والذي اعتبره تنكرا لتضحيات ومجهودات الرجال المخلصين.
وهناك أمر مهم يخص كل من يسعى لإعادة إحياء الجراح وهو أن مرسوم السلم والمصالحة الوطنية يعاقب كل من يتهجم على المخلصين الذين ساهموا في نجدة الجزائر. وتنص المادة 44 من مرسوم السلم والمصالحة الوطنية «إنّ المواطنين الذين ساهموا بالتزامهم وعزمهم في نجدة الجـزائـر وفي الحفاظ على مكتسبات الأمّة، يكونون قد أثبتوا حسا وطنيا». وأشارت المادّة 45» لا يجوز الشروع في أي متابعة، بصورة فردية أو جماعية، في حق أفراد قوى الدّفاع والأمن للجمهوريّة، بجميع أسلاكها، بسبب أعمال نفّذت من أجل حماية الأشخاص والممتلكات، ونجدة الأمّة والحفاظ على مؤسسات الجمهوريّة الجزائريّة الدّيمقراطيّة الشّعبية.
يجب على الجهة القضائية المختصّة التصريح بعدم قبول كلّ إبلاغ أو شكوى. بينما كانت المادّة 46 صريحة « يعاقب بالحبس من ثلاث (3) سنوات إلى خمس (5) سنوات وبغرامة من250.000 دج إلى500.000 دج، كلّ من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أيّ عمل آخر، جراح المأساة الوطنيّة أو يعتدّ بها للمساس بمؤسسات الجمهوريّة الجزائريّة الدّيمقراطيّة الشّعبيّـة، أو لإضعاف الدولة، أو للإضرار بكرامة أعوانها الذين خدموها بشرف، أو لتشويه سمعة الجزائر في المحافل الدولية.
تبــاشر النيابة العامّة المتابعات الجزائية تلقائيا. في حالة العود، تضاعف العقوبة المنصوص عليها في هذه المادّة.»
وعليه فعلى الجميع توخي الحذر وتحمل مسؤولية ما يقوله في حق مؤسسات الجمهورية. كما أن تحميل فشل الساحة السياسية من خلال التهجم على الجيش الوطني الشعبي أمر غير مقبول وغير مفهوم.
لقد خولت المادة 47 من المرسوم لرئيس الجمهورية صلاحيات اتخاذ إجراءات جديدة لتفعيل المصالحة، هل لكم أن توضحوا لنا مثلا ماذا يمكن أن نضيفه في هذا الامر؟
إن المصالحة الوطنية ميثاق مرن يمكن أن نضيف فيه خطوات جديدة للتكفل بمختلف ضحايا المأساة الوطنية، وهذا بعد تجسيد أهدافها بأكثر من 95 بالمائة وأثمن هنا التكفل بملف النساء والفتيات اللواتي اغتصبن في العشرية السوداء حيث تم المصادقة في البرلمان على مواد جديدة تتضمن إجراءات الاستجابة لانشغالاتهم.
وأعتقد أن هناك ملفين آخرين يستحقان الاهتمام وهم تعويض الأفراد الذين تعرضت ممتلكاتهم للنهب والتخريب في العشرية السوداء بالإضافة إلى معتقلي الصحراء الذين مازالوا يشتكون من اعتقالهم دون محاكمة، وقضائهم لسنوات في الصحراء دون تهم واضحة، وهم يستحقون التعويض كذلك.
وأضيف أمرا مهما وحتى وان كان سيبدو غريبا إلا أنني أنصح بالذهاب للعفو الشامل الذي سيكون عاملا لطي الأزمة نهائيا، وحديثي عن العفو الشامل سيغلق باب تصفية الحسابات نهائيا وموقفي هذا نابع من متابعة تجارب الكثير من الدول التي طبقت العفو الشامل وتمكنت من تدعيم وتعزيز الاستقرار وتحصين نفسها بالكثير من الأمور السلبية.
@ لكن الحديث عن العفو الشامل قد يفتح الباب لانتقاد الجزائر بإتباع سياسة اللاعقاب الذي تتحجج به العديد من المنظمات غير الحكومية الدولية واتخاذه مطية للتدخل في شؤون الدول والضغط عليها؟
@@ إن واقع الجزائر نعرفه نحن بصفة جيدة ولا يمكن لأي احد أن يقف مكاننا وبالتالي فالحديث عن العفو الشامل ليس تجسيدا لسياسة اللاعقاب ولكن خطوة لطي المأساة الوطنية نهائيا، وهذه المنظمات الحكومية لا تعرف إلا الحديث والكلام والتهويل ،فالجزائر سيدة وتمارس سيادتها ولن يملي علينا احد أي سلوك.
وأعود هنا للحديث عما جرى بين الجزائر وفرنسا الاستعمارية حيث انتهت الحرب بالعفو الشامل رغم ما قامت به فرنسا من مجازر وحرق ونهب والرأي العام العالمي لم يحتج وبالتالي فنحن نعي ما نقول، ونفكر في المستقبل لضمان أحسن الظروف للشعب الجزائري.
@ تعرف التحضيرات للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 17 أفريل المقبل الكثير من التجاذبات وتجاوز اللباقة في التصريحات مع عودة السب والقذف والشتم فكيف تقرأ هذا المشهد؟ وما هي الأولويات التي يجب أن يأخذها بعين الاعتبار تعديل الدستور؟
@@ ما تعرفه الساحة السياسية يعكس ضعف الممارسة الديمقراطية و عدم القدرة على إرساء تقاليد فغياب احترام الآخر والتهجم على الأشخاص دون نقد للأفكار والبرامج سيجعل من التطور الديمقراطي مستحيلا. وأتعجب لمستوى التصريحات التي تطغى على عديد القضايا.
ومن يريد التعبير عن رفضه لأي مترشح عليه ألا يصوت عليه وفقط أما السب والشتم فهي أمور غير مبررة تماما ويجب أن نحترم كل المترشحين بمن فيهم «بائع الخضر» .
كما أن الحديث عن التزوير مسبقا ومواصلة التهريج السياسي سيحبط من معنويات الشعب الجزائري ويؤثر عليه سلبا في ظل حملة تسويد كل شيء.
وأعتقد أن تعديل الدستور سيكون مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية وأتوقع أن يكون لملف تعيين نائب لرئيس الجمهورية أهمية كبرى وأولوية لما له من انعكاسات ايجابية على السلطة التنفيذية.
@ كيف تعاملتم كهيئة للمساهمة في حل أزمة غرداية؟
@@ إن اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان تتابع عن كثب ما يجري في غرداية ونحن نجمع المعلومات يوميا لمعرفة خلفيات ما يجري. وفضلنا عدم إرسال لجنة إلى هناك بعد تدخل الوزير الأول عبد المالك سلال وعمله على تهدئة الأوضاع.
@ تعرف الجبهة الاجتماعية احتجاجات في ميدان العمل وشكاوى من تدهور مستوى المعيشة ماذا تقترحون للتقليل من الضغط الاجتماعي؟
@@ إن الواقع الاجتماعي للجزائريين صعب كثيرا مقارنة مع الإمكانيات الكبيرة التي نمتلكها فغلاء المعيشة نقطة مشتركة يشتكي منها الجميع فالأسعار ملتهبة وهو ما يتسبب في زيادة الألم الاجتماعي.
و بالتالي يجب الاستفادة من الراحة المالية التي تمتلكها الجزائر وتوظيفها في حل مشاكل الجزائريين الذين يستحقون أحسن مما يعيشونه اليوم.