البروفيسور نور الدين مليكشي، أحد ألمع الأدمغة الجزائرية المهاجرة بالولايات المتحدة الأمريكية، عميد كلية الرياضيات والعلوم الطبيعية والتكنولوجية بجامعة دلاور، والمدير المؤسس لمركز العلوم والبحوث التطبيقية وصاحب مجموعة مشاريع بحثية مع وكالة الفضاء الأمريكية «نازا»، يبدي رأيه في المواضيع التي تهم الجزائر في هذا الحوار الذي أجرته معه «الشعب».
^ «الشعب»: من هو نور الدين مليكشي، وما هو مساره العلمي الذي أوصله إلى وكالة الفضاء الأمريكية نازا، واكتساب سمعة علمية ومعرفية قيمة في الولايات المتحدة؟
^^ البروفيسور نور الدين مليكشي: أنا خريج المدرسة الجزائرية بأطوارها التعليمية الثلاثة، نلت شهادة البكالوريا، من ثانوية عبان رمضان بالعاصمة، وتحصلت على شهادة مهندس دولة في الفيزياء من جامعة هواري بومدين بباب الزوار وبعدها شهادة الدراسات العليا، ثم نلت الدكتوراه من جامعة سيوسكس بانجلترا، وقررت بعدها الذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومازلت هناك إلى غاية الآن أعمل ما بين الجامعة ومخابر البحث.
^ كيف بدأت تجربتك مع وكالة «النازا»؟
^^ في البداية لما وصلت إلى أمريكا، كان حلمي إنشاء مخبري الخاص الذي أطبق فيه أفكاري وأبحاثي الخاصة، وليس العمل مع أو لدى أحد أصحاب المخابر، وما بين سنتي 1996 و1997، بدأت عددا من المشاريع في الوكالة وفي مراكز بحثية أخرى مهمة وسارت الأمور على ما يرام.
^ باعتبارك خريج المنظومة التربوية الجزائرية، كيف تقيم برامج ومناهج التعليم؟
**لم أعد أعرف الشيء الكثير عن النظام التربوي الجزائري، في الوقت الراهن ولكن ما أعتقده هو أن التربية يجب أن تتغير، ولا تبقى مسيرة بنفس منطق الستينات أو السبعينات، في التعليم اليوم لا يعني أن نضع التلميذ داخل حجرة الدراسة، بل يجب أن نعمل على انفتاح العقل الإنساني، كي يعرف كيفية طرح الأسئلة الجيدة لأنها سبيل تقدم العلوم والمعارف، بالسؤال الجيد تستطيع التعرف على المشاكل وطريقة حلها.
ثم يجب أن نساعد التلاميذ كي يكونوا متفتحين على العالم، ويتحكموا في مصيرهم، وما نراه حاليا أن المدرسة الجزائرية تدرس وتترك بعدها التلاميذ يفعلون ما يشاؤون، وهذا شيء خطير في اعتقادي، ولا خيار أمامها إلا الانفتاح وتغيير الذهنيات القديمة.
^ 70 % من المجتمع الجزائري شباب، و تسليمهم المشعل ضرورة، كيف تنظر لدور هذه الشريحة في بناء الوطن؟
^^ المشعل ليس ملكا لطرف أو فئة أو شخص وإنما ملك للشعب، ويجب على جميع فئات المجتمع أن تنصهر مع بعضها وتعمل في تجانس، ولا يجب أن يكون انقسام أو اختلاف بين الأجيال، كي تكون هناك مرحلة انتقالية سلسة وهادئة تمكن الشباب من التحكم في مستقبلهم الذي يخترعونه بأنفسهم، والشباب الجزائري لديه كثير من الإمكانيات، ولا يختلف عنهم في ذلك أمثالهم من أمريكا أو فرنسا أو ألمانيا، لكن الاختلاف الأساسي يكمن في المحيط الذي ينشأ فيه، وهنا تلعب التربية من أسرة ومؤسسات دورها المهم جدا، وإذا أردنا أن نحصل منه على نتائج باهرة علينا أن نبدأ أولا بتغيير هذا المحيط وملائمته مع ما نطمح إليه.
^ كيف ترى واقع العلوم التكنولوجيةوالتقنية في الجزائر؟
^^ في كل المجالات الحياتية، يظهر الدور المحوري للعلوم التكنولوجية والتقنية، في الصحة، النقل، الاقتصاد وغيرها من المجالات، وتكمن أهميتها وبشكل حاسم في صناعة المستقبل، فما نملكه اليوم لم يكن موجودا قبل عشرين سنة، لأن العلم يتطور عبر البحث والتجارب لاكتساب وسائل وادعاءات أنجع، ومن الضروري إعطائها ما تستحقه من الاهتمام تماشيا والأهداف المسطرة.
لكن لا يجب أن ننسى الثقافة والآداب والفنون، لأنهم وسيلتنا في أن نكون شعبا واحدا منسجما ومحافظا على تقاليده وتاريخه، فالمهم التقدم علميا وصناعيا مع إظهار هويتنا للعالم، ويكمن الفرق فقط في كون التكنولوجيا والعلوم تتطلب أموالا أكبر للاستثمار.
^ لنتحدث الآن عن قضية الأدمغة المهاجرة أنت واحد من هؤلاء كيف تنظر لمسألة العودة والمساهمة في خدمة البلاد؟
^^ الأدمغة المهاجرة، ليست مشكلة جزائرية، فقد عرفتها الصين، الهند والبرازيل وعدد من دول العالم، وأظن أنه يجب أن نضع أولا الميكانيزمات اللازمة لإعادتها، فأنا لا أنظر إلى الوعود المقدمة، ولكن إلى واقع الباحثين الموجودين حاليا في البلاد وهناك كفاءات يجب الاعتناء بها ومساعدتها، وإيجاد وسائل العمل وربط القنوات التي تسمح للأدمغة الموجودة بالخارج بخدمة بلادها حتى وهي في الخارج ولا أعرف جزائري يعمل بالخارج ويرفض مساعدة بلاده.
^ كيف تتوقع المستقبل في ظل هذه الصيرورة؟
^^ لدينا كل الإمكانيات الطبيعية، البشرية والمالية كي نكون دولة متطورة ومزدهرة، يكفي فقط أن نتعلم من الـ 50 سنة الماضية، ونتوقف عن ارتكاب نفس الأخطاء ونعطي الثقة للشباب والشعب.