البحث عن استراتيجية فلاحية لتقليص فاتورة الإستيراد
ملف الحبوب في الجزائر لا يتعلّق اليوم بكمية الإنتاج التي ما تزال تراوح مكانها في أقل من ٥٠ مليون قنطار، ولا تتجاوز الـ ٢٠ قنطارا في الهكتار الواحد، بقدر ما تحتاج إلى نظرة استراتيجية شاملة، تحرص على تقييم دقيق لهذه الشّعبة في خضم التوجه الفلاحي القائم على الأقل على الاكتفاء الذاتي، بالرغم من أنّنا في خضم ما يعرف بالأمن الغذائي، الذي يحتل الصّدارة ضمن المفاهيم المتداولة في هذا الشّأن.
ونعني بهذا الكلام، أنّنا تضرّرنا كثيرا من الأرقام التي أسقطتنا في مطب الحلقة المفرغة في قطاع استراتيجي فقط، كون الفارق الذي نحتاجه قد يبلغ نسبة مئوية تقدّر بالنّصف إذا ما وضعنا ذلك السّقف في حدود ٨٠ مليون قنطار من الاحتياجات.
لذلك، فإنّ فاتورة استيراد الحبوب وخاصة ما يعرف بالقمح اللين (الفرينة) توجد في مستوى يتطلّب الكثير من الوقفات لدراسة الأسباب الكامنة وراء ذلك، في الوقت الذي بالإمكان تفادي هذا الإشكال أي الإفراط في الاستيراد بتغيير طريقة العمل المبنية في الوقت الرّاهن على تحصيل الفارق بواسطة الديوان المهني للحبوب، الذي يتكفّل بجلب هذه المادة الحيوية من البلدان التي لها تقاليد الإنتاج كالأرجنتين، كندا، فرنسا وروسيا.
هذا الدّيوان واستنادا إلى نصوص تسييره الموضوعة مباشرة عقب الاستقلال، مع تعديلات بسيطة فيما بعد لا يكتفي بإغراق سوق بالحبوب المستورد، وإنما بإمكانه التحرك باتجاه أن يتحوّل إلى شريك يرافق كل الدوائر المهتمّة مباشرة بإنتاج الحبوب، وزارة الفلاحة والتنمية الريفية خاصة من أجل تصحيح مسار هذه الشّعبة، لتكون طرفا فاعلا في الميدان.
وإن كان هذا من صلاحيات الوصاية، فإنّ الديوان مدعو إلى التّنسيق مع الأطراف الأخرى القادرة على تقديم الإضافة اللازمة، وهذا بالمضي قدما في التكفل بالمساحات الواسعة من أجل جعلها ذات مردودية عالية، وهذا ما يجري في ولاية تبسة، ويمكن الانتقال إلى أماكن أخرى كالغرب والجنوب وفي مناطق نموذجية بالشرق، هذا كلّه من أجل تقليص فاتورة الاستيراد إلى أقصى حد.
حتى وإن كانت التّجربة صعبة أحيانا نظير الأهداف المسطّرة، إلاّ أنّ إرادة إعادة الاعتبار للحبوب في الجزائر تصطدم أحيانا بحجج واهية غير مقنعة انطلاقا من أنّ السّلطات العمومية وفّرت كل ما يلزم من أجل إنتاج قياسي بامتياز لكن في نهاية المطاف ترد إلى المسامع تفسيرات نفسها التي ذكرت السنة الماضية، وكذلك التي قبلها أي تلك الإكراهات ما تزال قائمة بالرّغم كل الجهود المضنية التي تبذلها الدولة ماليا من أجل التخلص من تلك المشاكل.