يعرف عن ولاية جيجل التنوع البيولوجي الهام، وتشتهر بطابعها الجبلي والمياه بتوفرها على 04 سدود، وتشتهر بالأراضي الفلاحية العالية الجودة، ناهيك عن المناطق السياحية، ممّا جعل القائمون على قطاع البيئة والغابات في سباق مع التهديدات التي يتعرض إليها الغطاء الغابي والنباتي، إلا أنّ ذلك لم يشفع لها، وجعلها مهددة من قبل أطراف لا تعي نتائج تصرفاتها في القضاء على هذا التنوع البيئي، والدفع بها إلى التلوث ومن ثم التأثير على صحة المواطن بالدرجة الأولى.
المنطقة الرّطبة المصنّفة عالميا ضمن المناطق المعترف بها ببلدية خيري واد عجول شرق الولاية شهدت نفوق عدد من الطيور النادرة والمهاجرة، وذلك بسبب تعرض هذه الأخيرة لأمراض وأوبئة أودت بحياتها، وهو ما يهدّد بضرب التوازن البيئي بهذه الجهة، كما بات يهدد عددا من أصناف الطيور التي تستقطبها المنطقة.
وكشف مسؤول بالحظيرة الوطنية لتازة، بأنّ هذه الأخيرة انتهت من إحصاء أنواع الطيور المتواجدة عبر 22 منطقة بالولاية، وفي مقدمتها المنطقة الرطبة بخيري واد عجول، التي تم تصنيفها قبل سنوات ضمن المناطق الرطبة المعترف بها عالميا نظرا لطابعها الخاص، وما تتضمنه من أنواع نادرة من الطيور وأخرى مهددة بالانقراض والتي لا تعيش إلا في مثل هذه المناطق، مع تسجيل تراجع كبير في عدد الطيور التي تعيش بهذه المنطقة نتيجة نفوق أعداد كبيرة منها ولجوء بعضها الآخر إلى سلك طريق الهجرة بعدما وجدت في هذا الفضاء الطبيعي الحاضنة الأنسب لها.
أما عن أسباب نفوق هذه الطيور وهجرة بعضها نحو مناطق أخرى، يأتي في مقدمتها الاستعمال المكثف للمبيدات الحشرية والأدوية الكيمياوية الموجهة لحماية وتنمية مختلف أنواع المزروعات التي تشتهر بها ناحية خير واد عجول وفي مقدمتها الفراولة، ناهيك عن تلوث الفضاء الطبيعي بهذه الجهة وتحديدا مصادر المياه الجوفية بسبب الرمي المكثف للفضلات والمبيدات الصناعية وكذا اختلاط مياه الصرف الصحي بالمياه العذبة، ما تسبّب في نفوق أعداد كبيرة من الطيور النادرة والمهددة بالانقراض رغم وجود معاهدات واتفاقيات دولية تنص على ضرورة حماية هذه الطيور وحماية الفضاء الطبيعي الذي تعيش فيه تفاديا لانقراضها وهجرتها نحو أماكن وفضاءات أخرى قد لا تجد فيها ما كانت تجده ببيئتها الطبيعية. وسبق للمهتمين بالشأن البيئي بجيجل وأنّ حذّروا من المخاطر التي تهدد بعض الفضاءات الطبيعية التي تعيش بها عدد من الحيوانات والطيور المهددة بالانقراض، ومنها محمية خيري واد عجول وبعض الغابات الأخرى التي تتعرض لعمليات تخريب من خلال تعرية غطائها الغابي والاعتداء المتكرر على بعض أصناف الأشجار من قبل عصابات الفحم والخشب.
وقد حاولت المصالح المختصة جاهدة وضع حد للتجاوزات والاستغلال غير العقلاني، فباشرت مند فترة بعديد الأشغال، على غرار إنجاز سياج من أجل تحديد محيط الموقع، ووضع أبراج للمراقبة والرصد، بغية مكافحة الصيد المحظور واستغلال المنطقة لأغراض فلاحية، وأيضا تعزيز قدرات السقي لدى السكان المحليين، من خلال إنشاء آبار لتفادي استعمال الموارد المائية للمنطقة وأخيرا تنظيف وصيانة المكان.
وأدى ظهور بقعة بترولية بخليج بلدية العوانة 25 كلم إلى الغرب من عاصمة الولاية إلى استنفار عدة وحدات للسيطرة على هذه الأخيرة موازاة مع إرسال محققين إلى عين المكان، وقد حدّد موقع هذه البقعة البترولية العائمة على بعد نحو ميل ونصف بحري من شاطئ «كافالو»، وهو ما تطلّب إرسال وحدات من الحماية المدنية وكذا عدد من المختصين والخبراء إلى عين المكان من أجل التحديد الدقيق لمجال انتشار هذه البقعة البترولية، ومحاولة احتوائها السريع والحيلولة دون توسع رقعتها.
وحتى لا يكون لهذا التسرب الخطير تبعات على الحياة البحرية بالمنطقة التي رصدت بها البقعة البترولية سيما، ومن ثم حدوث كارثة بيئية خصوصا وأنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الآلاف من الكائنات البحرية للنفوق بسواحل جيجل بسبب مثل هذه الممارسات والتجاوزات، ليتم بعدها إجراء مسح جوي من قبل الجهات المختصة، وبعد تحديد موقع تواجد البقعة بدقة تم وضع المخطط الاستعجالي «تل البحر» حيز التنفيذ، بمشاركة مينائي سكيكدة وبجاية في العملية.
وقد تمّ اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية لاحتواء آثار البقعة، وكشف مدير البيئة بأنه تم رفع المخطط الاستعجالي «تل البحر»، بعد زوال الخطر نهائيا وتلاشي البقعة، بينما أمر وكيل الجمهورية بعد إخطاره بالقضية بفتح تحقيق لتحديد هوية الباخرة المتسببة في تسرب الزيت تحضيرا لمتابعة أصحابها قضائيا.
وكما تعرّضت العديد من الوديان بالولاية إلى التلوث بعد نفوق أطنان من الأسماك على مستوى وادي منشة وجن جن، وهي القضية التي حققت فيها المصالح المختصة تحت إشراف المصالح الأمنية وكذا مديرية الصيد البحري، ولم تتوان الأطراف المهتمة للشأن البيئي بالولاية من التحذير من كارثة ايكولوجية باتت على الأبواب لاسيما في ظل ارتفاع مستويات التلوث بأغلب وديان الولاية التي تحولت إلى مصب للنفايات، وحتى الزيوت والنفايات التي يقوم أصحاب شاحنات مجهولو الهوية برميها ليلا في هذه المناطق في غفلة عن المصالح المعنية.
كما أنّ كابوس مدبغة الجلود الموجودة بحي الحدادة ما زال يؤرق سكان الحي من حيث المعاناة من الاثار التي تسببها من التلوث، بحيث أصبحت تشكل خطرا يحدق بصحة السكان بالأخص المجاورين للمدبغة، للبقايا من النفايات التي تتسبب في انتشار الروائح الكريهة المنبعثة من المصنع، خاصة الرائحة الكريهة التي يضطر سكان الحي إلى غلق نوافذ منازلهم يوميا، والرهبة التي تسللت إلى نفوسهم من شرب المياه لاحتمال تلوثها.
مراكز الدّفن التّقني تعالج 50 ٪ من النّفايات
تحصي مصالح مديرية البيئة بجيجل 32 مفرغة فوضوية ونقاط سوداء، تمّ غلق منها 06 مفارغ فوضوية، التي تتواجد بأهم البلديات والتجمّعات السكانية الكبيرة، وخاصة التابعة لبلديات جيجل، الطاهير، الأمير عبد القادر، قاوس، السطارة والميلية، وذلك بعد دخول مراكز الدفن التقني للنفايات المنزلية حيّز الخدمة، وهو مؤهل بمعالجة 50 بالمائة من النفايات المنزلية المفرزة يوميا على مستوى تراب الولاية، ويمكن ان ترتفع النسبة في حالة ربط باقي البلديات بمراكز الدفن التقني للنفايات، وهذه الأخيرة حسب مديرية القطاع تعرف تشبّعا، مما استدعى تمديد قدرة استيعاب هذه المراكز لمواجهة إشكالية التشبّع وذلك بإنجاز خنادق جديدة.
وتزيد كمية النفايات المنزلية المفرزة يوميا عن 500 طن، بينما تقوم مراكز الدفن التقني بمعالجة 200 طن يوميا، وقد أدّت هذه الوضعية وفي غياب مخطّطات توجيهية لتسيير النفايات المنزلية للبلديات، بالإضافة إلى نقص الوسائل البشرية والمادية المتعلّقة بذلك إلى انتشار النقاط السوداء والمفرغات الفوضوية عبر إقليم الولاية، ونظرا إلى نقص الوعي لدى المواطنين أدى هذا إلى إنشاء عدد جد معتبر من المفرغات العشوائية وخاصة على حواف الأودية والشواطئ، وعلى مقربة من بعض التجمعات السكانية. وهذه الوضعية أصبحت تشكل تهديدا على البيئة وصحة السكان، قد تنجم عنها أخطار تلوث البيئة بسبب تلوث الموارد المائية السطحية والجوفية، وانتشار الحشرات وناقلات بعض الأمراض عبر الحيوانات، وكذلك انبعاث الروائح الكريهة والغازات السامة، جراء حرق النفايات بالمفرغات العشوائية، كما تؤدي هذه الوضعية إلى تدهور المنظر الجمالي والوسط الطبيعي للمحيط.
كما يعاني سكان الولاية من أخطار النفايات الصناعية التي تفرزها مختلف المؤسسات الصناعية على غرار مدبغة جيجل، مركز تعبئة غاز البوتان بالطاهير، محطات غسل السيارات، مركب الزجاج، محطة توليد الكهرباء بالأشواط، شركة الخزف الصحي ومدبغة خنيفر بالميلية وكل هذه المؤسسات تقوم بإنتاج نفايات في أشكال متنوعة وبكميات معتبرة.
ففي هذا الإطار، تمّت مباشرة عمليات ملموسة ميدانيا من خلال إنجاز على وجه الخصوص 3 مراكز للردم التقني بكل من جيجل والطاهير والميلية حسب مديرية الولائية للبيئة، فيما يوجد مركز رابع للردم التقني في مرحلة التبلور بمنطقة الشقفة يتطلب وعاء عقاريا بـ 10 هكتارات، كما تمّ إنشاء مستودع للحصى للانتهاء من مشكل الانتشار العشوائي لهذه المواد على مستوى المكان المسمى 14 كلم بين منطقتي قاوس وتاكسنة.
وكشف قطاع البيئة عن مشروع لتوسعة مركز الردم التقني بالدمينة في بلدية الطاهير، من شأنه أن يلبي الحاجيات اليومية للمنطقة من خلال معالجة يومية للنفايات، ومن المنتظر أن تنطلق الأشغال خلال السداسي الأول من السنة الجارية، بعد المصادقة على الدراسة، وتم تكليف المؤسسة الولائية لتسيير مراكز الردم التقني بإنجاز أحواض إضافية على عاتق ميزانيتها، قصد التحكم في كل زيادة في تدفق أو إفراز بمركز الطاهير، إضافة الى إجراءات لاقتناء محطة لمعالجة السوائل المتعلقة بالنفايات المنزلية تخصص لمركز الدمينة.
واختيار موقع مركز الردم التقني بالطاهير خلال السنوات المنصرمة، جاء نتيجة الطريقة العشوائية التي كان يتم بها معالجة النفايات برميها في مفرغة عشوائية بالقرب من المنطقة المحمية، التي توجد عليها أربعة خزانات تزود المنطقة بمياه الشرب، ممّا كان يشكّل خطرا على صحة المواطنين، وقد تمّ بعدها اقتراح موقع الدمينة سنة 2004 على أساس التحقيق العمومي الذي أعلنت عنه السلطات المختصة وبعد موافقة المصالح التقنية للولاية، تم تخصيص مبلغ 347 مليون دينار لإنجاز وتجهيز مركز الردم التقني الموجه لمعالجة نفايات أربع بلديات تابعة لدائرة الطاهير.
وساهمت الحملة التي باشرتها مصالح بلدية العنصر في الحد بشكل كبير من ظاهرة الرمي العشوائي للقمامة بوادي إيرجانة، الواقع على طول الطريق الولائي، الرابط بين العنصر وبلدية بوراوي بلهادف، بعدما شرعت مصالح البلدية في وضع لافتات تحذيرية تمنع رمي القمامة على طول الوادي بالجهة التابعة إداريا لبلدية العنصر، التي تعتزم بعد نجاح عملية تطهير الوادي جعله مقصدا سياحيا للعائلات يدر على الخزينة موارد مالية إضافية.
وعملية تطهير الوادي باشرتها مصالح البلدية بالتنسيق مع فئات المجتمع المدني، بعد الاتفاق على عملية تنظيف كبيرة مست ثلاثة أماكن رئيسية بالبلدية، انتشرت بها ظاهرة الرمي العشوائي للقمامة، و رغم الإجراءات التي تمت في السنوات السابقة من قبل بلدية العنصر، بإصدار قرار بلدي سنة 2014، بمنع الرمي العشوائي للنفايات في الوادي إلا أن الظاهرة استفحلت بشكل كبير خلال العام الفارط، وشوّهت جمال مناظر الوادي، بعدما صارت أكوام القمامة مصدرا للروائح الكريهة التي تنبعث من المكان، ما عجّل بتحرك السلطات المحلية سعيا منها إلى تدارك الوضع، حيث قامت البلدية رفقة باقي الجهات المختصة و بالشراكة مع بلدية بوراوي بلهادف المجاورة بتحسيس السكان بمخاطر الرمي العشوائي للفضلات في مجرى الوادي.
وأسفرت عملية تنظيف للموقع الأثري الرابطة بجيجل جمع عدة أطنان من النفايات بمختلف أنواعها، العملية أشرفت عليها مديرية الثقافة وشارك في هذه العملية التي تهدف إلى حماية هذا الموقع الثقافي الذي يعود إلى آلاف السنين والمحافظة عليه كل من قطاع السياحة والمجلس الشعبي البلدي ومديرية النشاط الاجتماعي، إضافة إلى الجمعيات الناشطة في المجال الثقافي والتنشيط السياحي والنشاطات الأثرية.
وقد تمّ تسخير وسائل مادية كبيرة من معدات وآلات التنظيف وتجميع ونقل النفايات لإنجاح هذه الحملة، وتخليص الموقع من الكميات الهائلة من النفايات المتناثرة فيه منذ عدة سنوات، للإهمال ويد الانسان التي عبثت به برمي القاذورات دون أدنى اهتمام لقيمته التاريخية والثقافية، وسيتم كأول إجراء استعجالي بإقامة سياج خارجي محيط بالموقع، على أن تقوم مصالح محافظة الغابات بغرس الأنواع المناسبة من النباتات، كما تتكفّل مصالح البلدية أيضا بوضع حاويات للنفايات المخصصة لرمي الفضلات وتجميعها.
نادي أخضر في كل مؤسّسة تعليمية
لتحسيس الشباب فيما يتعلق بضرورة الحفاظ على البيئة، بادرت محافظة الغابات للولاية بفكرة إمكانية إنشاء نادي أخضر في كل مؤسسة تعليمية، وذلك على هامش إحياء اليوم الوطني للشجرة وذلك للاهتمام بالشجرة وبالبيئة، وحسب المبادرون بالفكرة «أنّ العمل التحسيسي مهم للغاية كونه يسمح بإعداد مواطن الغد للحفاظ على الثروة الغابية».
وأعطيت إشارة الانطلاق من متوسطة محمد بن يحيى المتاخمة ثانوية كاولة تونس ومدرسة رشيد بن شويب الابتدائية، حيث تمّت دعوة التلاميذ لغرس شتلات أشجار من مختلف الأصناف التزينية، وعلى مستوى فضاء على شكل مثلث تمّ غرس حوالي 150 شتلة في حين قام بعض الشباب بتقليم الأشجار بإحدى الحدائق العمومية وتنظيف المكان.
وتميّزت هذه العملية التي شملت المقاطعات الغابية الخمس بالمنطقة بمشاركة عدة شركاء من ضمنهم مديرية البيئة والحظيرة الوطنية لتازة ومؤسسة التهيئة والهندسة الريفية، وتمّ غرس ما مجموعه 3500 شتلة تمّ جلبها من مشتلة كيسير عبر 22 بلدية.