بني صاف مدينة جميلة جدا في فصل الصيف، ما زالت تحافظ على طابعها العمراني المتميز وتتخللها عدة غابات كثيفة من الصنوبر والاوكاليبتوس وغيرها، وهو ما يجعل شكل المدينة غير مرتب ولكنه يضفي غليها طابعا خاصا لا يبعث على الملل مثل باقي المدن.
حكاية التّراث والحضارة
تتربّع على أربع مواقع أثرية، هي الشريان الذي يمد ويغذّي بني صاف القديمة بحكايات التراث والحضارات المتعاقبة، كنوز اثرية ومعالم لا تزال قائمة الى يومنا، وكثر من تركوا بصماتهم في تاريخها من البربر الى الفينيقيين واليونانيين والرومان والبيزنطيين والعرب والعثمانيين، كل هؤلاء شكلوا غنى لمدينة تنبض بالحياة، لا تهدأ ولا تموت، هي بني صاف. بني صاف البربرية، بني صاف الفينيقية، لا فرق نتكلم عن مدينة واحدة غرفت من تاريخ الحضارات كنوزًا وآثارًا، قلاعًا وقصورًا.
مركب “سيفاكس” قطب سياحي هام
ما إن تصل الى بني صاف حتى يتجلى لك مدى ارث المنطقة وجمالها الخلاب، الذي شدى به العديد من الفنانين ليس ببعيد عن مدينة بني صاف حوالي 7 كيلومترات فقط من الغابات الخضراء، التي اعتاد السياح الجلوس والسمر بها والتي تعتبر قبلة للسواح للشواء والاستجمام يتواجد شاطئ “رشقون”، الذي يعتبر من بين اهم الشواطئ في المنطقة والذي يعرف اقبالا واسعا للمصطافين طيلة موسم الاصطياف من مختلف انحاء الوطن نظرا لطبيعته الخلابة التي تحكي جمال المنطقة، ما ان تصل شاطئ رشقون تمد ناظريك الى الجهة الغربية منه في الاعلى يتوجب عليك الوقوف على مركب السيفاكس، الذي يعتبر من بين احد المناطق السياحية بالمنطقة والذي يحوي على حوالي اكثر من 50 بنقالو، شيدت بطريقة عصرية جمعت بين الماضي والحاضر في قالب عمراني جميل، يتوسطها مسبح يطل على البحر يحلو للكثير من الزوار الاعتياد الى هدا المكان عند غروب الشمس التي تحكي في طياتها جمالا لا يضاهيه جمال.
جزيرة ليلى
لا يعرفها إلا القليل من السكان، فالفضوليون وحدهم من يعتريهم شغف زيارة ذلك الجبل، الذي يغوص في عشرات الكلومترات في أعماق حوض البحر الأبيض المتوسط، باسطا ظلاله على زرقة المياه ومخفيا في جنباته جمالا ساحرا يشد الناظر إليه من أول وهلة، كونه يمثل جزيرة صغيرة تتوسط البحر، وهي التي اصطلح على تسميتها بجزيرة “رشقون” أو “ ليلى” مثلما تعوّد السكان المحليون تسميتها، فهي لا تبعد عن شاطئ رشقون إلا بضع كلومترات والتي غالبا ما تغري الشباب بلوغها عن طريق السباحة.
صنّفت وزارة الثقافة جزيرة شقرون ضمن المواقع التاريخية للتراث الثقافي والتاريخي لولاية عين تموشنت، حيث تمتد على مساحة 26 هكتارا، ويقول المؤرخون أن تاريخ وجود الإنسان بهذا الجبل يعود الى عصور ما قبل التاريخ، حيث يذكر في سجلات التاريخ، أن قبائل البربر سكنت الجبل سنة 650 قبل الميلاد، وهو ما تؤكده بقايا حامية للجنود وبركة مائية قرب الميناء الذي كان يستعمل من طرف القراصنة، وهو نفس الميناء الذي استعمله حلفاء مقاومة الأمير عبد القادر لنقل السلاح لدعم المقاومة الشعبية، في حين ارجع المؤرخون دخول الفينيقيين إلى الجزيرة إلى القرن السابع قبل الميلاد استنادا إلى القطع الخزفية التي تم العثور عليها بالموقع القديم، والمنطقة مشهورة أيضا بمنارة متميزة التي شيدت في 1870، وهي تمتد على علو 15 مترا ويمكن مشاهدتها من الشاطئ وهي إلى غاية اليوم تقوم بدور توجيه السفن العابرة لهذا الجزء من خليج الغزوات. وحسب معطيات مصالح الديوان الوطني للإرشادات البحرية، فإن الأضواء المنبعثة من المنارة تمتد الى علو 81 مترا ويمكن مشاهدتها على بعد 16 ألف ميل بحري، وهو ما زاد من جمال المنطقة وأعطى صورة باهية لليالي الشاطئ الذي تزينه ألوان المنارة يوميا.
بالإضافة الى التصنيف التاريخي للمنارة، توجد بجانبها ثكنة عسكرية تعود إلى العهد الاستعماري حيث استقبلت في تلك الفترة قرابة ألفي جندي اسباني، وهو ما بعث الحياة من جديد بالجزيرة التي تضم حاليا عدة بقايا أثرية صنفت ضمن الكنوز الأثرية للمنطقة منها مقبرة بـ 114 قبر تقع قرب المنارة، وهو ما جعل السلطات تسارع الى تصنف الجزيرة ضمن المعالم الثقافية بعد أن أسالت لعاب العديد من المستثمرين الخواص، ممن ابدوا استعدادهم لشرائها بغرض بناء منتجعات سياحية.
وما يزيد من جمال المعالم السياحية بالولاية، أنها تضم عدة مواقع أثرية منها الضريح الملكي “سيفاقس” ملك نوميديا الغربية، الذي يقع على بعد 4 كلم من ضفة نهر التافنة، ويضم مقبرة جماعية لعائلته، بالإضافة الى موقع زاوية سيدي يعقوب التي شيدت سنة 1332 م نسبة إلى الولي الصالح سيدي يعقوب، وهناك موقع مدينة سيقا التي كانت بمثابة العاصمة الغربية للنوميديين، تقول كتب التاريخ أن مؤسسها كان الملك “سيفاقس” أراد لها أن تكون مملكة غنية من الناحية الإستراتيجية والاقتصادية والبشرية، وهو الأمر الذي جعله يوفر بها عدة إمكانيات، ولا تزال آثار تلك الحضارة قائمة من خلال المخلفات المحمية بموجب مرسوم يمنع استعمال هذه المناطق في نشاطات أخرى.
سكان يستغلّون الجزيرة
للتنزه والرّبح
موقع جزيرة “ليلى” مثلما يفضّل سكان مدينة بني صاف تسميتها، يعتبر قبلة للعائلات وهواة صيد السمك، فلا يمر يوما طوال السنة إلا ويتنقل عدد كبير من المصطافين الى الجزيرة للاستجمام والتمتع بمناظرها الخلابة وزيارة المنارة، في الوقت الذي شهدت فيه تجارة صناعة أدوات الصيد انتعاشا كبيرا بالمنطقة، حيث يهوى المتقاعدون وحتى الشباب صيد السمك بالجزيرة التي تضم بشاطئها عدة أنواع من السمك، في الوقت الذي يدور في كواليس المدينة مشاهدة بعض المترددين على الجزيرة للفقمة البحرية ودلافين وعجل البحر، وهو ما وسّع من شغف الشباب ليتحولوا الى الغطس لمشاهدة مختلف المخلوقات البحرية التي تعيش قرب الجزيرة، في حين يفضل بعض الصيادين استغلال مراكبهم لنقل العائلات إلى الجزيرة بأسعار معقولة.