مشاريع طاقوية ضخمــة..مناجم بالجملة وشبـكة نقل حيوية

تنــدوف تكتــب تاريــخ الإقـلاع الاقتصـادي

تندوف: علي عويش

رؤية تنمويــة جديــدة تُعيــد توزيـع الثِّقـل الاقتصــادي عـلى خارطـة الجزائـر     

بوّابـة الجزائــر نحـو غـرب إفريقيــا..نموذج وطــني لتقليـص الفـوارق التنمويـة 

الطّاقة النّظيفة والبنى التّحتية..ملامح تحوّل اقتصادي تشرق من تندوف

 عاشت ولاية تندوف لعقود طويلة عزلة تنموية فرضها موقعها الجغرافي في أقصى الجنوب الغربي للبلاد، فظلّت تُصنَّف منطقة حدودية مهمَّشة بعيدة عن مراكز التموين، فقد كانت بشار، على بُعد 800 كلم، أقرب نقطة إدارية إليها. هذا الوضع منحها طابعاً استثنائيا، لكنه جعلها تتأخر عن ركب التنمية الوطنية، غير أنّ السنوات الأخيرة حملت لها البشائر، وبدأت في صياغة مؤشرات تحوّل اقتصادي عميق، مع شروع السلطات العليا بالبلاد في تجسيد مضامين برنامج الإقلاع الاقتصادي، الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون في التزاماته 54، لتحظى تندوف ببرنامج أعاد إدماجها في المسار التنموي الوطني، ونفض عنها غبار العزلة، ومنحها القدرة على كتابة تاريخ جديد للتنمية بسطور من نور.

 استفادت ولاية تندوف من جملة من المشاريع التنموية جعل منها نقطة ارتكاز جديدة في الخريطة التنموية الوطنية، ضمن رؤية اقتصادية متكاملة تهدف إلى القضاء على الفوارق التنموية وتنمية المناطق الحدودية وتحقيق توازن تنموي يُقحِم الجنوب بقوة في الدورة الاقتصادية الكبرى، فمنذ العهدة الأولى لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، شرعت السلطات العليا والمحلية في تجسيد مخطّط طموح يقضي بإعادة توزيع الثقل الاقتصادي نحو الجنوب وتحديداً ولاية تندوف، عبر استثمارات ضخمة وغير مسبوقة في قطاعات الطاقات النظيفة، المناجم، الربط البري مع دول الجوار، ما جعل الولاية تدخل تدريجياً في دائرة النشاط الاقتصادي الوطني.
يُعدُّ مشروع محطة الطاقة الشمسية بغارا جبيلات واحداً من أبرز القرائن على توجيه دفة الاستثمارات الضخمة نحو الجنوب، حيث تُصنّف هذا المحطة كواحدة من أكبر منشآت الطاقة المتجدّدة ببلادنا، فهذه المحطّة التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 200 ميغاواط، مصمّمة لتوفير الطاقة الكهربائية لمصانع المعالجة الأولية لخامات الحديد بغارا جبيلات، مع إمكانية تغطية الحاجات المحلية المتزايدة من هذه المادة لسكان الولاية.

خطوة استراتيجية نحو الطّاقات النّظيفة

 وتتوفّر المحطّة على بطاريات تخزين تجعلها قادرة على توفير الطاقة الكهربائية في الظروف المناخية السيئة وخلال ساعات الليل، ممّا يجعل منها مصدراً موثوقاً في توفير الكهرباء لمصانع المعالجة الأولية لخامات الحديد وقواعد الحياة المنتشرة بالمنطقة. وسيوفّر المشروع في مرحلة الانجاز حوالي 600 منصب عمل، و100 منصب متوقّع خلال فترة الاستغلال والصّيانة الدورية، وهو مشروع رائد نظراَ لمساهمته في التقليل من الاعتماد على المصادر الطاقوية التقليدية والحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
كما تتوفّر هذه المحطّة الكهروضوئية على ألواح شمسية وبطاريات تخزين موزّعة على 26 حقلاً يكون تشغيلها بصفة مستمرة، كما تتوفر على محطتين للإغلاق الكهربائي، واحدة للضغط المتوسط وأخرى للضغط العالي، وقد حُدّدت آجال الانجاز بـ 22 شهراً، وأوكلت مهام الانجاز للشركة الصينية «المجمّع 20».
مشروع إنجاز محطة كهروضوئية بمنطقة غارا جبيلات، تقرّر خلال زيارة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون إلى منجم غارا جبيلات، حيث اتخذ السيد الرئيس قراراً يقضي بضرورة إنشاء محطة خاصة لتوليد الكهرباء تكون موجّهة للمشروع المهيكل منجم غارا جبيلات بطاقة إنتاجية تبلغ 200 ميغاواط، وتخطّط السلطات الى ربطها مستقبلاً بشبكة الضغط العالي 60 كيلو فولت، ما يجعل منها همزة وصل طاقوية بين المنجم والمنطقة الصناعية ومدينة تندوف استعداداً لربط الولاية بالشبكة الوطنية للكهرباء.

منجم غارا جبيلات..قطب صناعي عالمي

 التحوّل التنموي الذي تعيشه ولاية تندوف لم يقتصر على الطاقة فحسب، بل تعدّاه إلى النشاط المنجمي، حيث تعوّل السلطات العليا على منجم غارا جبيلات للظفر بموطئ قدم في السوق العالمية للحديد، هذا المنجم الذي كان مجرّد احتياطي استراتيجي في سجلات الجهات المختصّة، أضحى اليوم ورشة مفتوحة على الهواء الطلق تساهم في تشغيل المئات من الشباب الجزائري، وسيقفز الرقم إلى الآلاف من اليد العاملة حال الشروع الفعلي في استغلاله، كما يُتوقّع أن يكون هذا المنجم أحد المحرّكات الأساسية للاقتصاد الوطني ودافعاً قوياً في تنمية الجنوب الغربي. فباحتياطي يبلغ 3.5 مليار طن من خام الحديد، يُعدُّ منجم غارا جبيلات من بين الأضخم عالميا، ما يمنح الجزائر ورقة اقتصادية رابحة الى جانب النفط والتجارة البينية مع الدول الإفريقية وكفاءة البنية التحتية الوطنية.
يشكّل منجم غارا جبيلات إلى جانب كونه تجسيداً فعلياً للإستراتيجية الصناعية الوطنية التي تأخذ بعين الاعتبار كافة مؤشرات وإمكانيات منجم غارا جبيلات من الناحية الصناعية، دافعاً قوياً لتحقيق تنمية وطنية شاملة، تُلقي بظلالها على ولاية تندوف ومنطقة الجنوب الغربي، وتمتد آثارها التنموية إلى كافة ربوع الوطن.
وسيوفّر هذا المشروع الضخم كمرحلة أولى من 03 إلى 05 آلاف منصب عمل ميداني من مجموع 20 ألف منصب عمل متوقّع، كما سيُسهم إلى حد كبير في القضاء على البطالة وخلق ديناميكية للتشغيل بالمنطقة، والأكثر من ذلك، سيساهم هذا المشروع في توفير مناصب شغل، سواء مباشرة أو غير مباشرة لسكان ولايات الجنوب الغربي.
باطن الأرض في منطقة غارا جبيلات، يخزّن احتياطي هائل من الحديد الخام، هذا المخزون الاستراتيجي الهام، سيعزّز من قدرة البلاد على استغلال مؤهلاتها الطبيعية وتوظيفها للنهوض بالصناعات الثقيلة، وبالتالي ضمان العبور الآمن الى مصاف الدول المصدّرة  للمواد المحوّلة، بتكنولوجيات أكثر نجاعة وبقيمة مضافة أقوى.

مسارات جديدة نحو العمق الإفريقي

 ولكي يكتمل المشهد التنموي بولاية تندوف، تتابع السلطات العليا عن كثب عملية تجسيد مضامين البرنامج التكميلي الذي أقرّه رئيس الجمهورية لفائدة الولاية، والذي مسّ العديد من القطاعات التي غيّرت وجه المدينة، وجعلتها تنخرط بقوة في مسار الإقلاع الاقتصادي. فقد تمّ تسليم شطرين من خط السكة الحديدية الرابط بين غارا جبيلات ومدينة بشار مروراً بولاية بني عباس، وهو مشروع ضخم سيمكّن من نقل خام الحديد نحو ولايات الشمال. ربط ولاية تندوف بمراكز التصنيع عبر الخط المنجمي الغربي، يتقاطع مع مشروع الطريق الصحراوية الرابطة بين تندوف ومدينة الزويرات الموريتانية، وهو ما يُعدُّ خطوةً مهمة نحو الانفتاح على الأسواق الإفريقية، ويعيد لولاية تندوف موقعا التاريخي باعتبارها ممرّاً برياً استراتيجياً يربط شمال القارة بمنطقة الساحل والصحراء، إلى جانب ذلك، أعلنت شركة الخطوط الجوية الجزائرية عن تحقيق جملة من المكاسب المهمة لفائدة سكان الولاية، من خلال رفعها لعدد الرحلات بين الجزائر العاصمة وتندوف إلى 12 رحلة أسبوعياً ابتداءً من أكتوبر المقبل، وإضافة رحلتين جديدتين بين وهران وتندوف لتصل الى 04 رحلات في الأسبوع، مع دراسة إمكانية تخصيص رحلة أسبوعية إضافية على خط الجزائر- بشار- تندوف، وخط جديد هو الأول من نوعه بين تندوف وولايات الجنوب الشرقي.
وفي سياق متّصل، وضمن تجسيد المقاربة التنموية جنوب - جنوب التي تتبناها الجزائر لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول الإفريقية، يشهد شمال موريتانيا أشغالاً مكثّفة لإنجاز الطريق الرابطة بين مدينة تندوف والزويرات الموريتانية، وتُشكّل هذه الطريق معبراً استراتيجياً وشرياناً حيوياً من شأنه فك العزلة عن المناطق الحدودية في كل من الجزائر وموريتانيا، ناهيك عن دوره في كبح جماح الجريمة العابرة للحدود والتهريب ومكافحة الإرهاب، إلى جانب دوره في ربط الجزائر بعمقها الإفريقي من بوابة تندوف، اقتصادياً، ثقافياً واجتماعياً.
هذه المشاريع وغيرها الخاصة بقطاع النقل بالولاية، ترافقها ديناميكية محلية أفضت إلى إطلاق مشاريع وخدمات لوجيستية، منها افتتاح المعبر الحدودي البري الشهيد مصطفى بن بولعيد من قبل الرئيس تبون ونظيره الموريتاني، وتخصيص فضاء هام لشركة لوجيترانس بالولاية وتوسعة مطار الرائد فراج، وهي مشاريع ستساهم في تقليص البطالة، وإنعاش الحركية التجارية والاقتصادية بالولاية الحدودية، والتأسيس لتحوّل تدريجي باتت ملامحه تلوح في الأفق.
إنّ ما تشهده ولاية تندوف اليوم، لا يمكن اعتباره في أي حال من الأحوال مجرّد سلسلة من المشاريع والبرامج المعزولة، بل هو تعبير عن رؤية تنموية جديدة تُعيد توزيع الثِقل الاقتصادي في الجزائر. هذه الرؤية ستجعل من الجنوب الغربي وولاية تندوف بالتحديد قاعدة اقتصادية متقدّمة، وواجهة مستقبلية لجزائر وجّهت بصرها نحو غرب افريقيا، كشريك استراتيجي، لا كحديقة خلفية مهمّشة.
مواطنو تندوف باتوا على قناعة تامة بأن المشاريع الكبرى التي تتجسّد بولايتهم، هي جزء من استراتيجية أوسع تسعى إلى تقليص الفوارق التنموية، وخلق مراكز إنتاج جديدة في الجنوب، لا مجرّد مبادرات معزولة، فرؤية السلطات العليا وعلى رأسها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، تتجاوز الطابع الريعي نحو نموذج تنموي متوازن ومستدام، حيث أظهرت المؤشرات الحالية بأن ولاية تندوف قد دخلت فعلياً عصراً جديداً، قد يجعل منها قطباً اقتصادياً فاعلاً في السنوات المقبلة، ليس فقط على المستوى الجهوي أو الوطني، بل في كامل الفضاء الإفريقي.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19867

العدد 19867

الخميس 04 سبتمبر 2025
العدد 19866

العدد 19866

الأربعاء 03 سبتمبر 2025
العدد 19865

العدد 19865

الثلاثاء 02 سبتمبر 2025
العدد 19864

العدد 19864

الإثنين 01 سبتمبر 2025