يعد منتزه الاستقلال بمقام الشهيد واحدا من المشاريع العمرانية الكبرى التي تعكف الجزائر على تجسيدها ضمن رؤية شاملة لإعادة تطوير العاصمة وتعزيز علاقتها الطبيعية بالبحر، ويأتي هذا المشروع في إطار المخطط الأزرق الذي يهدف إلى استعادة التوازن الحضري للمدينة، بعد سنوات طويلة من الانفصال التدريجي عن الواجهة البحرية بسبب الامتداد العمراني العشوائي.
يمتد المنتزه على مسار ثقافي وسياحي، يربط بين مقام الشهيد ومنتزه الصابلات، مارًّا بمحطات رمزية وتاريخية بارزة مثل دار عبد اللطيف والمتحف الوطني للفنون الجميلة ومغارة سارفنتاس وحديقة التجارب الحامة والمكتبة الوطنية.
ويشكّل هذا الربط مسارًا حيويًا يعزز حضور الذاكرة الجماعية في النسيج العمراني للعاصمة، من خلال دمج المعالم الثقافية مع الفضاءات الطبيعية بطريقة مدروسة.
من جهة أخرى، يراعي المشروع معايير حديثة في التخطيط الحضري من خلال إنشاء مسالك خاصة للمشاة وأخرى لفئة ذوي الهمم، إضافة إلى شرفات بانورامية مطلة على البحر ومصعد بانورامي يسهل حركة التنقل بين المرتفعات المختلفة.
وقد تمّ الحرص على توظيف مواد بناء صديقة للبيئة واعتماد تصميمات مستوحاة من الطبيعة المتوسطية، بما يضمن تحقيق التوازن بين التطوير العمراني والحفاظ على البيئة.
ولا يقتصر المنتزه على كونه ممرّا للمشاة فحسب، بل يمثّل فضاءً متعدّد الأبعاد يدمج الترفيه بالثقافة، ويمنح الزائر فرصة التفاعل مع التراث العمراني والفني للمدينة عبر مراحل متسلسلة من التنقل والاكتشاف.
كما يسعى المشروع إلى توفير متنفسات طبيعية تساعد في تحسين جودة الحياة الحضرية ومكافحة التلوث، في ظل ما تعرفه المدن الكبرى من تحديات بيئية متزايدة.
علاوة على ذلك، ينتظر أن يسهم منتزه الاستقلال في إنعاش الحركة السياحية بالعاصمة، من خلال خلق ديناميكية ثقافية وترفيهية جديدة تربط بين فضاءات الترفيه والمواقع الرمزية للهوية الوطنية.
ومن جانب آخر، يتوقع أن يكون لهذا المشروع أثر إيجابي على النسيج الاجتماعي عبر توفير فضاءات لقاء وتفاعل بين مختلف فئات المجتمع، ممّا يعزّز الإحساس بالانتماء ويكرس قيم المواطنة الحضارية.
تجدر الإشارة إلى أنّ متنزه الاستقلال يندرج ضمن مشروع ضمن سلسلة المبادرات التي تهدف إلى ترقية صورة الجزائر العاصمة كمدينة حديثة تحترم تراثها التاريخي وتستشرف مستقبلًا مستدامًا، حيث يشكّل هذا الفضاء الحضري الجديد عنوانًا لإرادة التغيير والتجديد، وانطلاقة نحو بناء بيئة حضرية أكثر توازنًا وانفتاحًا على البحر والحياة العامة.