قصّـة صـرح دينـي ظلّ شامخـا منـذ القرن التاسـع عشـر

المسجد العتيق الجلفة.. روحانيــة تتجــاوز الزمــان

موسى دباب

مع حلول شهر رمضان، ينبض المسجد العتيق بحي البرج بولاية الجلفة بروحانية متجدّدة، حيث تتعالى أصوات التراويح، وتمتلئ أروقته بالمصلين، وتكتسي جدرانه عبق التاريخ الذي يحكي قصة صرح ديني ظل شامخا منذ القرن التاسع عشر، هذا المسجد، الذي يعود تاريخ بداية بنائه إلى عام 1861، لم يكن مجرد مكان للصلاة، بل كان على مدار عقود مركزا لنشر العلم والفقه، ومنارة للحفاظ على الهُوية الإسلامية في المنطقة.
تم تشييد المسجد العتيق عام 1879 على يد سي بلقاسم (بقاف مثلثة) بن بن الأحرش، أحد علماء ولاية الجلفة وأعيانها، استجابة لحاجة طلبة زاوية سي الشريف بن بن الأحرش لحرش الكائنة بعين شنوف المجاورة إلى مكان للصلاة، وكذا ساكنة المنطقة الريفية.
ويذكر الشيخ أبو الحسن الميلود قويسم، أمين المجلس العلمي المفتي بالولاية، أن الشيخ سيدي محمد بن أبي القاسم الهاملي أشار على سي بلقاسم بضرورة اختيار موقع منخفض لبناء المسجد، إلا أن المهندس (أحمد موليناري جاك (Molinari Giacomo dit Jacques     dit Ahmed الموصي رسميا بدفنه في مقبرة المسلمين سيدي يانس بمدينة الاغواط، والمسمى بعض عقبه اليوم بلقب ( سكحال)، أصرّ على بنائه فوق الربوة مع إضافة سلالم تؤدي إلى مدخله، ما منحه طابعا معماريا فريدا.
 وبفضل قيمته التاريخية، تم تصنيفه ضمن قائمة الجرد الإضافي للممتلكات الثقافية العقارية، ما يعكس استمرار الاهتمام بهذا المعلم التراثي، قال الشيخ المفتي “لقد تعاقب على منبر المسجد ومحرابه من يوم تأسيسه كثير من المشايخ والقراء في مقدّمتهم العلامة سي يادم بن مصطفى الدلماجي مربي ومعلم الأجيال آنذاك من مالكية وإباضية كما هو معلوم، وإلى اليوم يؤدي المسجد رسالته الوسطية ذات المرجعية الدينية الوطنية”.
على مدار الشهر الفضيل، يعيش المسجد العتيق بحي البرج أجواء إيمانية خاصة، حيث تحتضن أروقته صلاة التراويح، وتقام دروس الوعظ والتفسير، في استمرارية لدوره كمركز روحي وثقافي، كما يحرص أبناء الحي على تنظيفه وتزيينه استعدادا لاستقبال الشهر الفضيل، في مشهد يجسّد روح التضامن المجتمعي.
ويقول أحد رواد المسجد “مع كل رمضان، نشعر وكأن المسجد يستعيد شبابه، تمتزج أصوات المقرئين بعبق التاريخ، ونحس برابط روحي يجمع الأجيال المتعاقبة تحت سقفه “.


ترميم يُعيد الحياة إلى المساجد العتيقة
في خطوة للحفاظ على هذا الإرث، أطلقت مديرية الثقافة والفنون مشروعا لترميم المسجد العتيق بحي البرج، إلى جانب المسجد العتيق ببلدية الشارف، و«جامع الرأس” ببلدية مسعد، وأوضح مدير الثقافة والفنون، كعبوش عيسى، أن هذا المشروع لا يقتصر على إعادة تأهيل المباني، بل يسعى إلى إحياء دورها الروحي والتعليمي، مؤكدا أن الترميم ليس مجرد إصلاح حجارة، بل هو حفاظ على ذاكرة المدينة الدينية.
ومع استمرار هذه الجهود، يبقى المسجد العتيق بحي البرج شاهدا على عراقة مدينة الجلفة، ومنارة تشّع بأنوار العبادة والعلم، ليظل ركنا ثابتا في وجدان سكان المدينة، خاصة خلال شهر رمضان، حيث يلتقي الماضي بالحاضر في رحاب الإيمان.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19711

العدد 19711

الأربعاء 26 فيفري 2025
العدد 19709

العدد 19709

الثلاثاء 25 فيفري 2025
العدد 19708

العدد 19708

الإثنين 24 فيفري 2025
العدد 19707

العدد 19707

الأحد 23 فيفري 2025