للجنوب الجزائري طريقته الخاصة في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث تعلّق الأعلام والأهازيج معلنة انطلاق الاحتفالات التي تلقى إقبالا كبيرا للمواطنين من مختلف ولايات الوطن بل ومن بعض الأجانب الشغوفين بمثل هذه التقاليد الأصيلة. واليوم ننقل لكم تفاصيل الاحتفال بـ «السبوع» من زاوية كنتة بولاية أدرار.
وتشهد الزّاوية يوم مولد النبي ــ صلى اللّـه عليه وسلم ــ احتفالات كبيرة بقصري بوعلي واغرماملال وانزجمير، وقراءة متون المديح النبوي وقصائد البردة والبغدادي، وتتواصل حتى أسبوع المولد المعروف بـ «السبوع» من خلال أنشطة فلكلورية هامة، وزيارات تجمع سحر التصوف في أصوله الصافية صفاء نغمات «زمار بوعلي» والبارود.
وعشية أسبوع المولد النبوي الشريف وهو اليوم السادس من «المولود» أو ربيع الأول تشهد زاوية كنتة «استقبال الزوار ودخول الضيافين» وهو تقليد للترحيب مسترسل في التاريخ لتجمع صلاة المغرب في ساحة حفرة الشمس التي لا يتسع فيها المكان رغم شساعتها للمصلين الوافدين من مختلف مناطق الوطن لأدائها، ثم إلقاء الحديث وختم السلكة والفاتحة لتنتشر الجموع نحو البيوت للعشاء. فأين توجّهت أو إلى أي بيت دخلت سواء تعرف أهله أم لا فهو مرحّب بك عندهم تتبعه حضور فرق البارود لقصور بوعلي وتيوريرين واولاد الحاج، وفي ليلة «السبوع» تشهد الساحة الكبرى المسماة بالعادة بقصر الزاوية أنشطة فلكلورية متنوعة للبارود يكون فيه نغمة رقصة
«الشيخ بن عبد الكريــم.........ما شاء الله يا لمغيلي»، وتأتي على شكل رقصة متناسقة لفرق البارود بأشكال أسلحتهم الملونة والزاهية، وعلى أنغام «الزمار»، لتختتم بالفاتحة وإلقاء محاضرة حول حب النبي ــ صلى اللّـه عليه وسلم ــ تتبع بصلاة العشاء جماعة والدعاء بالأمن والسّكينة والإخلاص.
وفي صباح اليوم الثاني وهو يوم «السبوع» المشتق من تعداد السابع يكون الاحتفال الرسمي، وفجر السبوع تكون جميع النسوة قد استكملت تحضير فطور الصباح المصنوع من «الكسرة وخبز القلة»، وهو مأكول تقليدي من الطحين للضيوف القادمين من مختلف مناطق الولاية، وكذا الذين أكملوا ليلتهم بالزاوية (يوم السبوع).
وتشد الرحال من جميع القصور المجاورة إلى الزاوية الرجال بألسبتهم وعمائمهم البيضاء والنساء بلباسهن التقليدي المعروف بـ «ليزار»، وفي «الزاوية» تنطلق احتفالات كبيرة بخروج «لعلامات»، وهي رايات قطنية مزركشة بالألوان والآيات القرآنية يجهل أكاديميا تاريخ استقدامها، ويقال أنها ترمز للزوايا والطرق الصوفية مزيّنة بقبة نحاسية على شكل «هلال بلون ذهبي»، وبحسب المناطق و»لعلام»، وبعدها تخرج الوفود والأعلام بارزة كل البروز شامخة إلى الأعلى في شارع طويل وعريض أو ما يعرف بالصف مرددين على إيقاعات «الزمار» كل ما تطرب له الأذن عن الرسول ــ صلى اللّـه عليه وسلم ــ
الصلاة السلام ..............عليك يا رسول الله
الصلاة السلام ..............عليك يا رسول الله
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله
.......الصلاة والسلام عليك يا حبيب الله
وعند خروج «لعلامات» أو الرايات متصافون كتفا لكتف يرددون النغمات على نفس الوتيرة واللحن والايقاع:
رسول الله دير لي ضلالة ...................وفي جبال عرفة تم نقيلو
رسول الله دير لي ضلالة .................وفي جبال عرفة تم نقيلو
رسول الله دير لي ضلالة ..................وفي جبال عرفة تم نقيلو
وبعد ذلك تشهد الزاوية أنشطة فلكلورية لجميع فرق القصور المشاركة،تستمر هذه المظاهر حتى منتصف النهار «يوم السبوع» أين يتوجه بعض الزوار لتناول وجبة الغذاء والمكون من الطعام الكسكس باللحم والشاي المجمر، فأي بيت تدخله يستقبلون فيه الضيوف ولا يميزون بين من يعرفون ومن يجهلون الكل سواء. بعد ذلك تتجمّع الحشود كلها في حفرة الشمس لاستمتاع بإيقاعات البارود، والبعض الاخر يتجول أو يتسوق.
أما البعض الاخر فيتوجه إلى زاوية الشيخ المغيلي بقصر بوعلى على بعد 10 كلم جنوب الزاوية، حيث يوجد ضريح الامام سيدي محمد بن عبد الكريم المغيلي الذي يعاد تبيضه بمادة «الجير»، وتوزّع الحلوى والنقود على الأطفال خصوصا، ثم تتبع بقراءة فاتحة الكتاب المعروفة محليا «بالسلكة» فضلا عن سلسلة محاضرات في السيرة النبوية بالمدرسة القرآنية «الشيخ الحاج الحسان» بانزجمير. أما زاوية كنتة فتستمر بها الاحتفالات حتى مساء يوم السبوع، وتنفض الجموع إلى قصر بوعلى حيث يتم الرقص على البارود عند ضريح الشيخ المغيلي لتختتم بالدعاء على أنغام: «الوداع الوداع وبالسلامة ولعقوبة لقابل يا ربي»، حيت يتجدّد اللّقاء في نفس الموعد من السنة القادمة من غير توزيع دعوات أو منظمين أو مشرفين، وإنما هي دعوة ميراث شعبي صوفي صاف مترسّخ وحب نبي أحبّوه على طريقتهم. وتستمر الاحتفالات إلى ما بعد الغروب، فمن يغادر زاوية كنتة متوجّها إلى بلده يغادر وهو يتمنى العودة العام القادم إن شاء الله، والباقون باقون حتى ينتهي الاحتفال.