توفي يوم أمس بسطيف، المدرب السابق للمنتخب الوطني عبد الحميد كرمالي، عن عمر يناهز ٨٢ سنة. بعد مرض عضال، حيث كان قد نقل في نوفمبر الماضي إلى مستشفى عين النعجة العسكري، قبل أن يعود إلى منزله بسطيف.
وبالتالي، فقد خسرت الجزائر أحد أحسن رياضييها ومدربيها، بالنظر لمسيرته الذهبية ونضاله، وكذا الخدمات الجليلة التي قدمها طوال سنوات طويلة.. ذلك أنه يبقى المدرب الوحيد لحد الآن الذي أهدى للجزائر لقبها الإفريقي الوحيد على مستوى المنتخبات.
وقد عرف الفقيد بتواضعه وتفانيه الكبير في عمله، وهذا طوال مسيرته، وضمن الأندية التي دربها أو المنتخب الوطني.. حيث تخرج العديد من اللاعبين من «مدرسته».. وكان لهم شأن كبير في عالم الكرة.
فريق جبهة التحرير الوطني
وحسب العديد من رفاقه عندما كان لاعبا، فإنه يبقى من الأوائل كلاعب موهوب ويملك إمكانيات فنية عالية، الأمر الذي أهله لخوض مسيرة معتبرة، والتي بدأها في نادي اتحاد سطيف.. قبل أن ينتقل إلى اتحاد العاصمة.. وبالنظر إلى إمكانياته الكبيرة ومحاولته المستمرة لتنميتها وفتح آفاق جديدة تحول إلى أحد الأندية المحترفة بفرنسا وهو نادي ميلوز، ثم نادي كان.. وتألق بصفة كبيرة في نادي ليون الشهير، أين كان جناح أيمن سريع وذو فنيات عالية، ساهم في عدة نتائج لناديه الذي لعب معه ٦٥ مباراة سجل خلالها (١٣) هدفا.
ويبقى تاريخ ١٣ أفريل ١٩٥٨ راسخا في أذهان كل الجزائريين، وذلك بمناسبة انشاء فريق جبهة التحرير الوطني، حيث أن كرمالي كان عضوا في تشكيلة هذا الفريق الرمز، رفقة أسماء أخرى على غرار مخلوفي، عريبي، زيتوني. سوكان.. الذين تركوا الشهرة وكل امتيازات النجوم في الفرق المحترفة الفرنسية، ليعطوا دعما مميزا للثورة التحريرية، اين التحق كرمالي واللاعبون الآخرون بتونس، لتشكيل الفريق الذي أسمع صوت الثورة التحريرية في مختلف بقاع العالم.. من خلال لعبه للعديد من المقابلات في مختلف القارات.. وبالإضافة إلى الرسالة النبيلة التي حملها هذا الفريق، فإنه أبدع من الناحية الفنية.
مدرب بخصوصيات مميزة
وبعد الاستقلال واصل كرمالي مسيرته كلاعب، اين عاد إلى الفريق الذي تكون فيه، وهو اتحاد سطيف ليقدم له بعض النقاط الأساسية من تجربته الكبيرة، قبل أن ينتقل إلى الوفاق، الذي ساهم معه في كتابة التاريخ الكبير...
وبفضل حنكته ومعرفته الدقيقة لخبايا كرة القدم، دخل كرمالي عالم التدريب الذي أعطى له دفعا آخر في مسيرته الذهبية، بالنظر للصفة التي كان يتمتع بها، والتي تتلخص في «موهبته في اكتشاف المواهب».. وهذه الصفة جعلته ينجح في مختلف الأندية التي مر بها، اين أعطى الفرصة للاعبين شبان أصبحوا نجوما بعد ذلك.. سواء في ترجي مستغانم، أو مولودية الجزائر، وفاق سطيف، وأندية عربية.
وكان مجيء كرمالي لفريق المولودية العاصمية ناجحا للغاية عام ١٩٨٨، حيث يقول عشاق هذا النادي أنه أعاد الروح للفريق، ونافس بكل قوة على البطولة في العام الموالي.. وقدم «العميد» من بين أحسن مواسمه، وظهور لاعبين مميزين آنذاك...
ويعتمد كرمالي في خطته على ضمان دفاع متماسك، الذي يعد أرضية صلبة لبقية الخطوط التي يتم بناؤها تدريجيا.. فبالرغم من أن البداية تكون صعبة، فإن الثمار تبدأ تظهر مع مرور الوقت.. وهذا ما حدث فعلا في فريق المولودية أيام المدرب عبد الحميد كرمالي.
التتويح بكأس إفريقيا للأمم ١٩٩٠
وبعد موسم مميز ناجح على كل المستويات في المولودية، كان المنتخب الوطني يلعب تصفيات كأس العالم ١٩٩٠، حيث تعادل في لقاء الذهاب أمام نظيره المصري بقسنطينة، وهذا بقيادة المدرب كمال لموي.. وقبل مباراة العودة تم الإستنجاد بالمدرب كرمالي الذي قاد «الخضر» في مباراة القاهرة.. ويمكن القول أن الجزائر كانت تحضر أيضا لإستضافة كأس افريقيا للأمم ,,١٩٩٠. لذلك الإستثمار في المدبر كرمالي كان مهما باعتباره رجل التحديات.. وفي هذا المقام يمكنني ذكر خطواتي الأولى في عالم الصحافة. اين التقيت بكرمالي، الذي كان مدربا للمولودية العاصمية، وتم تعيينه على رأس المنتخب الوطني، وحينها سألته هل بإمكانه التوفيق بين المهمتين أو التركيز على تدريب المنتخب الوطني فقط؟.. وكان رده: «إنها مهمة نبيلة وشرف كبير أن أدرب التشكيلتين، ولدي الوقت للقيام بالمهمتين، وهي مسألة تنظيم وبرمجة فقط»..
وفعلا، فان كرمالي عمل بتفاني كبير بمساعدة كل من نور الدين سعدي وعبد الورهاب وفرڤاني ضمن الطاقم الفني الوطني.. لتحضير كأس افريقيا للأمم ١٩٩٠ التي نظمت بالجزائر، بتشكيلة تضم لاعبين على غرار عصماني، أدغيغ، عماني، سرار، مناد، مفتاح، رحيم، وجاني.. إلى جانب القائد رابح ماجر.. هذا الأخير الذي أبدع وسجل عدد من الأهداف المهمة، إلى غاية الوصول إلى النهائي أمام نيجيريا.. والذي انتهى لصالح «الخضر» بعد هدف وجاني.. واهداء الجزائر أول لقب قاري للأكابر على مستوى المنتخبات.. وبالرغم من أن المنافسة كانت شديدة أمام منتخبات نيجيريا والسينغال ومصر وكوت ديفوار.. إلا أن كرمالي، الذي يخزن تجربة كبيرة، بقي ببرودة دم والتي قدمها لزملاء شريف الوزاني، الذين جسدوها فوق الميدان، خاصة أمام السينغال.. والتي كانت تصنع الفارق في كل مرة.. إلى جانب ذكائه التكتيكي في أغلب اللحظات...
وكانت الفرحة لا توصف آنذاك في كل المدن الجزائرية، بعد الإنجاز الفريد من نوعه من صنع مدرب ولاعبين.. ليكتب كرمالي صفحة أخرى من انجازاته، والتي تبعها أشهر قليلة بعد ذلك بلقب أفرو ـ اسيوي بعد فوز الفريق الجزائري على نظيره الإيراني.
تواضع.. وتضحيات بالجملة
والشيء الذي يميز كرمالي أنه شارك في العديد من الإنجازات، وقاد المنتخب الوطني للأواسط في مشاركته الوحيدة في كأس العالم، وذلك عام ١٩٧٩ باليابان والذي تأهل معه إلى ربع النهائي، الذي أجراه أمام الأرجنتين بقيادة مارادونا.. وكل العالم شاهد الإمكانيات الكبيرة للاعبينا أمثال بويش وعصماني وجنادي، قاسي سعيد... الذين حققوا نتائج باهرة...
رحم الله الفقيد، الذي يبقى رمزا في التضحيات والعمل المتواصل، حيث واصل في إعطاء نصائح للمدربين الشبان طوال حياته.. وبقي يتابع أطوار الكرة الجزائرية، حيث عاش أيام هادئة بمدينة سطيف، اين يكن له كل الشعب الجزائري احتراما كبيرا كونه بقي محترما طوال حياته كرياضي ومدرب وانسان عادي...