اعتداءات محور باريس - بماكو

ازدواجية فاضحة في التعامل مع ضحايا الإرهاب

حكيم بوغرارة

كشفت الاعتداءات التي تعرضت لها باريس وبماكو عن الأوجه الخفية في ملف الإرهاب العالمي، الذي بات بحاجة للصراحة والواقعية أكثر من النفاق العالمي، لأن كل الاستراتيجيات التي سطرتها القوى العظمى لمحاربة الظاهرة، لم تكن سوى أفكار ومشاريع مشبوهة لم تزد البشرية إلا دمارا وخرابا وإثارة للفتن والنزاعات.

إن المتتبع للخطوات التي تتخذها الدول الغربية بعد كل اعتداء إرهابي يجد أنها تصب في خانة العنصرية وتحميل المسلمين تبعات مجرمين في معظمهم من صنع المخابرات الأجنبية، ليتبين أن إشراك تجار السلاح وأرباب المؤسسات الإعلامية في صناعة القرار في الديمقراطيات الحديثة وزيادة نفوذهم في مقاليد الحكم هي التي تقف وراء التحولات العالمية السلبية، فالغاية عندهم هي جمع أكبر قدر ممكن من الثروات وبكل الطرق، فلا يهم عندهم من يقع ضحية سواء من أبناء جلدتهم أو من الأجانب.
ولتبرير الهمجية، تفتح وسائل الإعلام أبواقها لتشتيت الرأي العام وصناعة أفكار وهمية حول ما يحدث في عالمنا.
إن ردود الفعل من واشنطن ولندن إلى بروكسل دارت حول ضرورة التضييق على اللاجئين السوريين، وتعليق عملية استقبالهم لتكسير مبادرة الألمان وبعض الدول الأوربية بفتح الأبواب إنسانيا، لأن برلين فضحت فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت تعتبر سوريا فقط منطقة لتجريب السلاح وجرّ أكبر قدر ممكن من الشباب العربي للانتحار في سوريا والتقاتل فيما بينهم تحت رايات التنظيمين الإرهابيين «النصرة» و«داعش».
وتم التعتيم على ما قالته وزيرة الخارجية السويدية التي حملت الكيان الصهيوني كل ما يحدث من خراب في العالم، لأنها تعرف لبّ وحقيقة الصراع، ولكن بقي تصريحها في الظل وتم تداوله على نطاق ضيّق.
بيّـن الإرهاب في السنوات الأخيرة، أنه من صنع الرؤساء والحكام بنسبة كبيرة، سواء من أجل البقاء في الحكم أو لافتكاك صفقات تسلح أو لإخضاع دول معينة أو لزرع الفتنة والشقاق أو استجابة لأهواء تجار السلاح ومالكي الشركات متعددة الجنسيات التي باتت تتحكم في إفريقيا، سواء من خلال إنشاء ميليشات مسلحة أو تعيين الرؤساء.
بيّـن اعتداء بماكو، الجمعة، عن صراع مصالح، حيث اكتشفنا فجأة عن تواجد قوات خاصة أمريكية في المنطقة وهي التي لم تظهر عندما قررت فرنسا التدخل بريا في مالي حيث رفضت واشنطن المشاركة، لكن بعد اتضاح الأمور سجلت الولايات المتحدة تواجدها وتكون قد أيقنت بأن مالي قد تكون أفضل محطة لإنشاء “أفريكوم” التي تسير حاليا من ألمانيا.
ويظهر أن فرنسا لم تكن على علم، فقررت بعد عملية احتجاز الرهائن إرسال ضباط سامين لمنافسة الأمريكيين وكسب المعركة الإعلامية من خلال إثبات أحقيتها في التواجد هناك بعد قيادتها الحرب البرية ضد الإرهاب.
ما يلفت الانتباه في الحديث عن عملية بماكو، ذلك التركيز على الضحية البلجيكي، بينما يظهر أن جنسيات الضحايا الآخرين وهم ماليون، لا يهم الحديث عنهم طالما، وبحسب الرواية الغربية، أن العالم الثالث خلق من أجل الموت.
تغاضي وسائل الإعلام الغربية الحديث عن المضايقات التي تعرضت لها الجاليات المغتربة، دليل على أن الغرب مازال حاقدا على كل ما هو مسلم، حيث يتعرض العرب والمسلمون إلى مضايقات مهينة وصلت إلى منع فلسطينيين من السفر جوا بين مختلف الولايات الأمريكية لسبب بسيط، هو أنهم تحدثوا بالعربية أمام مواطن أمريكي، فخاف وقرر رفع شكوى انتهت بإنزال الأمريكيين من أصل فلسطيني. وحتى الجالية المسلمة بأوروبا أُجبِرت في بعض الدول على نزع الحجاب والجلباب والسكوت على منتهكي حرمات المساجد وأعراض المسلمين وهذا في اعتقادي أخطر من الإرهاب.
إن انتشار الأحزاب اليمينية المتطرفة، وشبهات تمويل الإرهاب وخيوط الاستخبارات المتشابكة ودخول موسكو على الخط، والوعود التي قدمت لإيران من مجموعة الستة وأزمة أسعار النفط، وأمن إسرائيل، وما يحدث في سوريا واليمن وليبيا، كلها ملفات معقدة لا أعتقد أن حلها سيكون غدا، وحال العرب والمسلمين لن يتغير بأجندات أجنبية، بل بمراعاة أوضاع الشعوب، لأن التضحية بحق الشعوب في الحياة لن يضمن لأحد البقاء.

 

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024