القـدرة الشّرائية فــي الحضيـض

الغـــلاء يلهـــب جيـوب المغاربـــة

 مرة أخرى، تكشف الأرقام الرسمية عن عمق الأزمة المعيشية التي يرزح تحتها المواطن المغربي.
المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة رسمية محايدة، أفادت أن الرقم الاستدلالي للأسعار عند الاستهلاك ارتفع في شهر جويلية الماضي بنسبة 0،5 % مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، بفعل ارتفاع أسعار المواد الغذائية بـ 0،9 % والمواد غير الغذائية بـ 0،2 %. أرقام قد تبدو صغيرة في ظاهرها، لكنها في العمق تجسد استمرار النزيف الذي يعيشه المستهلك المغربي منذ سنوات، وسط غياب رؤية حكومية واضحة.
المثير في هذه المعطيات أنّ أسعار المواد الغذائية، وهي أساس معيشة الأسر البسيطة، ظلّت في صعود متواصل، في حين أن الحكومة التي رفعت شعارات “الدعم المباشر” و«الدولة الاجتماعية” عجزت عن حماية القدرة الشرائية للفئات الهشة. فكيف يمكن لمواطن يتقاضى الحد الأدنى من الأجور أن يتحمل زيادات متكررة في أسعار الحليب والجبن والبيض بنسبة 2،7 %، وارتفاع أسعار القهوة والشاي بنسبة 0،6 %، والأسماك بـ 0،4 %، في حين أن دخله جامد، بل يلتهمه غلاء الكراء والفواتير؟
أما التناقض الأكبر فيتجلى في المحروقات التي ارتفعت أسعارها بـ 3،5 %، في بلد يتربّع رئيس حكومته على قمة واحدة من أكبر المجموعات المحتكرة للوقود. فهل يُعقل أن يظل المواطن تحت رحمة تقلبات السوق الدولية دون أن تبادر الحكومة إلى تفعيل آليات للتسقيف أو تخفيض الرسوم الضريبية الثقيلة؟ أليس هذا دليلًا ساطعاً على تضارب المصالح وغياب الجرأة السياسية في مواجهة لوبي الريع؟
ورغم أنّ بعض المواد كالخضر سجلت انخفاضاً نسبياً،  فإن هذا التراجع يبقى موسميًا وعابراً، سرعان ما يتبخر أمام موجات غلاء لا تهدأ، إذ أن التضخم الأساسي، الذي يقيس الاتجاه الحقيقي للأسعار بعيداً عن العوامل الموسمية، سجّل ارتفاعاً بـ 0،9 % على أساس سنوي، ما يعني أن كلفة المعيشة تواصل زحفها نحو الأعلى، في وقت تتفرّج فيه الحكومة بعجز واضح.

وعـود انتخابيـــة فـي مهــبّ الرّيـــح

 الأدهى أن هذه الأرقام تأتي بعد ثلاث سنوات من وعود انتخابية أغدق بها أخنوش على المغاربة، متحدثاً عن تحسين الأجور وخفض البطالة وإصلاح الصحة والتعليم. غير أنّ الواقع يكذب الخطاب، حيث يتواصل نزيف الأسعار، ويغرق المواطن في دوّامة القروض الاستهلاكية والديون، فيما تتحوّل شعارات “الدولة الاجتماعية” إلى مجرّد واجهة للتسويق السياسي.
إنّ ما تكشفه المندوبية السامية للتخطيط ليس مجرد مؤشرات تقنية، بل هو شهادة دامغة على فشل السياسات الحكومية في لجم التضخم وضبط السوق، وعلى عجزها في ترجمة الوعود الانتخابية إلى إجراءات ملموسة. والنتيجة أن المغاربة أصبحوا يواجهون كل يوم معركة البقاء، بينما يعيش السياسيون في برجهم العاجي، يوزّعون الوعود ويحصون الأرباح.

معركـــة يوميــة مـــن أجــــل البقــــاء

 فإلى متى سيظل المواطن يؤدي ثمن ارتباك السياسات العمومية؟ وإلى متى سيبقى التضخم شماعة تعلق عليها الحكومة إخفاقاتها؟ المؤكد أن أزمة الثقة بين الشارع والمؤسسات آخذة في التعمق، وأن الأرقام مهما حاولت الحكومة تجميلها، تفضح واقعاً قاسياً عنوانه: القدرة الشرائية في الحضيض، والسياسة الحكومية خارج التغطية.
من ناحية ثانية، أفادت وزارة الاقتصاد والمالية المغربية بأن وضعية التحملات ومداخيل الخزينة كشفت عن عجز في الميزانية بقيمة 55 مليار درهم متم الشهر المنصرم، مقابل 40،2 مليار درهم خلال الفترة ذاتها قبل سنة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19858

العدد 19858

الإثنين 25 أوث 2025
العدد 19857

العدد 19857

الأحد 24 أوث 2025
العدد 19856

العدد 19856

السبت 23 أوث 2025
العدد 19855

العدد 19855

الخميس 21 أوث 2025