أكّد حقوقيّون من المغرب أن المملكة دخلت في مرحلة “مأسسة” الفساد، وذلك بعد التعديلات التي تضمنها قانون الإجراءات الجنائية، الذي تم إقراره في سياق تراجع كبير في الحقوق والحريات في المملكة.
جاء ذلك خلال ندوة حقوقية نظمها الفضاء المغربي لحقوق الإنسان، لتسليط الضوء على أهم مضامين قانون الإجراءات الجنائية الجديد، بحضور شخصيات حقوقية بارزة يتقدمهم الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان عزيز غالي، ورئيس الفضاء المغربي لحقوق الإنسان، محمد النويني.
وعبّر المشاركون عن تخوفاتهم من هذا القانون، الذي يثير جدلا سياسيا وحقوقيا واسعا في ظل مصادرة حق المجتمع المدني والسياسي في مكافحة الفساد، وغياب ضمانات المحاكمة العادلة وتوازن السلطات، والمساس بصلاحيات النيابة العامة والشرطة القضائية بما قد يؤثر على حقوق الدفاع والحياد القضائي.
وفي مداخلته، أبرز الحقوقي عزيز غالي أهمية وضرورة القانون الجنائي باعتباره قانون الحقوق والحريات، موضحا أن السياق العام الذي جاء فيه هذا القانون يمكن ضبطه من خلال نقاط أساسية، أهمها هي قاعدة وملاحظة يجمع عليها الجميع، وهي أن المغرب انتقل إلى مرحلة “مأسسة” الفساد.
لا إرادة سياسية لمكافحة الفساد
وأضاف أن الحكومة تسعى إلى “إنشاء بيئة صالحة لانتشار الفساد”، وذلك من خلال سحب قانون الإثراء غير المشروع، وقانون تضارب المصالح الذي اختفى بعد الحديث عنه ولم يخرج إلى العلن، ومعنى ذلك أنه ليست هناك أي إرادة سياسية لمحاربة الفساد.
من جانبه، أكّد المحامي محمد النويني أن سرعة تمرير هذا المشروع لا يمكن أن تعطي أي مؤشر إيجابي يعكس متطلبات التشاور مع كل الفاعلين المجتمعيين في الإسهام في العملية التشريعية، موضحا أن “العملية التشريعية برمّتها في مجلس النواب استغرقت مدة أربعة أشهر، بينما هناك قوانين وتشريعات أخرى تبقى في الغرفة نفسها لسنوات دون أن تتحرك”، مستدلا بالقانون الجنائي وقانون الصحافة والنشر.
وشدّد الحقوقي المغربي على أنّ “هذه السرعة مرتبطة بالسياق التراجعي العام في موضوع الحقوق والحريات، من تغوّل سلطوي وتحكّم في القضاء وفي النيابة العامة، لذلك انتهزت الحكومة هذه الفرصة”.
وفي سياق ذي صلة، أكّد الناشط السياسي والحقوقي عبد الصمد فتحي في مقال له، أنّ “مشروع القانون لا يعزز الثقة في العدالة بل يرسخ منطق التسلط، ويقنن الظلم، ويحمي الفساد، ويقصي المجتمع المدني من دوره في الرقابة والمحاسبة”.
جدير بالذكر أنّ مشروع تعديل القانون الجنائي قد شمل مواد مثيرة للجدل، أبرزها المادة 3 التي تقيد حق الجمعيات في تقديم الشكاوى ذات الصلة بالفساد والاختلاس والاعتداء على المال العام، والمادة 7 التي تمنع ضحايا بعض الانتهاكات من اللجوء المباشر إلى القضاء إلا عبر إجراءات إدارية طويلة ومعقدة، وهو ما اعتبر “تحجيما خطيرا لدور المجتمع المدني في حماية المال العام، وتكريسا للإفلات من المحاسبة.