تباين القدرات العسكرية عرقل التنسيق الأمني المشترك

دول الساحل مطالبة ببناء جيوش محترفةلمواجهة التهديدات

حمزة محصول

فرضت الأوضاع الأمنية العصيبة بمنطقة الساحل الإفريقي في السنوات الأخيرة، على دول الميدان وضع ميكانيزمات مشتركة لمواجهة التهديدات الإرهابية وتأمين الحدود والحفاظ على الأمن الجهوي، بالاعتماد على القدرات الذاتية والتنسيق العملياتي، بغرض إبعاد شبح التدخل الأجنبي وتفادي تأزم الوضع وتفاقمه، غير أن الإرادة الصلبة اصطدمت بالتباين في الإمكانات وجملة من العراقيل.

تؤمن الجزائر، النيجر، مالي وموريتانيا بأن الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود والأزمات الداخلية، عدو مشترك يستدعي تضافر الجهود وتقاسم الأدوار لمواجهته. وترى في التدخلات الأجنبية عامل تأزم بدل عنصر حل لمختلف القلاقل الأمنية. لذلك، وبمبادرة من الجزائر، التي وضعت الأضلع الأساسية لإطار العمل الموحد بين البلدان، تم إنشاء قيادة الأركان العملياتية المشتركة سنة 2010، كدرع عسكري للجنة دول الميدان.
ومع تسارع الأحداث في كل من ليبيا ومالي، وتحولهما إلى دولتين هشتين تشكلان مصدر خطر داهم على الجوار الإقليمي، تضاءل دور القيادة التي تتخذ من ولاية تمنراست مقرا لها، واكتفت بالتأكيد في آخر اجتماع لها بموريتانيا (جويلية 2012) على تبادل المعلومات الاستخباراتية وتأمين الحدود وقطع مصادر تمويل وإمدادات التنظيمات الإرهابية الناشطة بالمنطقة. فيما برزت فرنسا كقوة دولية تملك مفاتيح الحل بانتهاج التدخل العسكري المباشرة ومعها القوى الغربية المساندة لهذه النهج الذي يتعارض تماما والتصورات الجزائرية.
ولاشك أن عملية “سيرفال” الفرنسية في شمال مالي، كشفت اللثام جيّدا عن الثقل السياسي والعسكري لدول مثل النيجر، التشاد، بوركينافاسو وأعضاء المجموعة الاقتصادية لإفريقيا، حيث انصاعت وقبلت بالتدخل العسكري الفرنسي وتضاءل دورها لينحصر في جبهة مساندة وسد لصفوف الأمامية، ما أعطى الانطباع أن دول المنطقة لازالت بعيدة عن حلّ مشاكلها بقدراتها الخاصة واستراتيجياتها السياسية الأمنية دون دعم من القوة الدولية ذات النفوذ التاريخي.
وباستثناء الجزائر، التي عارضت التدخل الخارجي، سواء في ليبيا أو مالي، وعملت تعبئة الجهود من أجل الحل السلمي والحوار الوطني للخروج من المراحل الانتقالية العصيبة بأخف الأضرار، اصطفّ البقية مع الخيار العسكري الذي تجني تبعاته الوخيمة يوما بعد آخر.
إن التطرق لموضع التنسيق العملياتي بين دول الميدان، لا يقصي بعض الحقائق الميدانية التي تعتبر أسبابا رئيسية في ضعف نجاعته ومردوديته وتراجعه لصالح عمل مشترك من مستوى أعلى حاولت الولايات المتحدة وفرنسا الإمساك بخيوط لعبته، ومن هذه الحقائق ضعف القدرات العسكرية لبلدان الساحل. وفي هذا السياق، يؤكد الخبير الأمريكي، لاورنس فيلت، أن مواجهة الإرهاب تستدعي إمكانات تقنية عالية كطائرات الاستطلاع وفريقا بشريا ذا مؤهلات عالية للحصول على المعلومة الاستخباراتية، إلى جانب وسائل قتالية تتمتع بسرعة التنفيذ.
وبإسقاط هذه الخصائص ولو بجزء قليل منها، نجد أن مالي تفتقد لجيش قادر على حماية وحدتها الترابية، فهو لا يسيطر سوى على 5 من المائة من إقليم الشمال، ولم يفز بأية معركة ضد الحركات المسلحة متكبدا 9 هزائم.
لذلك وجدت الحكومة المالية نفسها مجبرة على التفاوض مع الحركات حول مسألة التسيير العسكري للمدن الشمالية. وكشف محمد عصمان، أحد قادة التنسيقية من أجل شعب أزواد لـ«الشعب”، أنهم يريدون التكفل بالإدارة العسكرية للمنطقة بنسبة 70 إلى 80 من المائة، لأنهم يعتقدون أن الجيش المالي عاجز عن تأدية الدور بمفرده.
واعترف المتحدث أن مالي دولة ضعيفة عسكريا “ونطمح لبناء جيش موحد من الحركات والسلطة المركزية لحماية البلاد وتأمين الحدود”. ولا تزيد القدرات العسكرية للنيجر عن مالي إلا بقليل، واعتبرت استلامها لطائرتين حربيتين من نوع سوخوي العام الماضي من أوكرانيا حدثا مهمّا. وسبق لأحد أبرز قادتها، أن اعترف بعجزها عن مراقبة الحدود، حين سمحت لأمريكا بإنشاء قاعدة لطائرات الاستطلاع.
وبالنبسة لضابط المخابرات الفرنسية سابقا، آلان روديه، فإن الخطر الذي تمثله التنظيمات الإرهابية رفقة بارونات المخدرات بالمنطقة، يستدعي تنسيقا دوليا وقال لـ«الشعب” أن الأوضاع من ليبيا وإلى غاية النيجر ومالي، تمثل حزاما ناسفا يستدعي تجند المجموعة الدولية ككل وليس دول المنطقة فحسب، معتبرا أن للجزائر الدور المفصلي، فهي الوحيدة التي تملك القدرة العسكرية والكفاءة الاستخباراتية اللازمة.
لم يحن الوقت ربما لتمسك دول الساحل بناصية الحل لمشاكلها المعقدة، وذلك لا يمنع الاستمرار في التنسيق والتعاون مع بعضها البعض، حفاظا وحرصا منها على مصالحها الوطنية والجهوية، وهي مطالبة أكثر من أية وقت مضى بتطوير قدراتها القتالية وبناء جيش عصري محترف وحينها فقط تستطيع الاعتماد على قدراتها الذاتية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024