واصلت أعداد كبيرة من النّازحين الفلسطينيّين التّدفق نحو شمال غزّة سيرا على الأقدام أو في العربات عبر شارعي الرشيد وصلاح الدين، وذلك بعد أن شهد اليوم الأول عودة 300 ألف فلسطيني من جنوبي ووسط القطاع.
لم يتوقّف تدفق النازحين من جنوب ووسط القطاع باتجاه الشمال، حيث لازالت الحشود تشكّل سيولا بشرية تتحدّى كل المخاطر والصعاب من أجل العودة إلى مناطقها التي أصبحت بالفعل منكوبة وغير قابلة للعيش، ومع ذلك يصرّ العائدون على نصب خيامهم فوق أنقاض بيوتهم، في ردّ واضح وصريح يؤكّد رفضهم المطلق لمخططات التهجير القسري التي يُراد فرضها عليهم.
غياب تام لمقوّمات الحياة
هذا، و مع بدء عودتهم إلى الشمال، يواجه الفلسطينيّون تحدّيا صعبا لتوفير مقوّمات الحياة التي تعمّد الجيش الصهيوني تدميرها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من حرب الإبادة الجماعية التي بدأها في 7 أكتوبر 2023، واستمرّت لأكثر من 15 شهرا.
ومنذ 10 أيام، يشكو فلسطينيو الشمال من عدم وجود أي مصدر للمياه، إضافة لعدم وجود مساحات فارغة لنصب خيام الإيواء وذلك بسبب كثرة الرّكام وخطر القنابل غير المتفجّرة.
إلى جانب ذلك فإن المساعدات الإنسانية والإغاثية تكاد تكون منعدمة مع صعوبة إدخالها، و هو الأمر الذي جعل هيثم انصيو الذي عاد إلى بلدة بيت حانون قبل أكثر من أسبوع، يقول: “لا يوجد أي مقومات حياة في شمال قطاع غزّة”.
ويضيف: “الأهالي قرّروا العودة رغم عدم وجود مقوّمات للحياة لأنهم أصحاب الأرض ويعتبرون وجودهم فيها أكبر تحدٍّ للإحتلال والإنتصار عليه”.
ويلفت إلى أن عائلته المكوّنة من 15 فردا (زوجة وأبناء وأحفاد) عادت إلى بيت حانون وأقامت خيمة قرب ركام منزلها المدمّر وسكنتها رغم انعدام سبل العيش.
وبشكل يومي، تضطرّ عائلة انصيو لنقل المياه على عربة يجرّها حمار من مسافة تزيد عن 10 كيلومترات.
ويأمل انصيو أن تعمل الجهات المعنيّة في أقرب وقت على توفير مستلزمات الحياة للعائدين إلى شمال القطاع، خاصة الماء الذي يعتبر عصب الحياة.
ويذكر أن المنطقة لا يوجد فيها خطوط إمداد طعام أو مياه، داعيا الجهات المسؤولة لإنشاء “مخيمات تشجّع الناس على العودة إلى أماكن سكناتهم ولو حتى فوق الركام”.
والسبت، دعت وزارة التنمية الاجتماعية بغزّة المواطنين العائدين من جنوب القطاع بالاهتمام إلى جلب خيامهم معهم في ظل عدم وصول خيام إلى محافظتي غزّة والشمال.
وبالخصوص، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي أنّ محافظتي غزّة والشمال بحاجة ماسّة إلى 135 ألف خيمة ومأوى مؤقّت بشكل فوري. وأوضح أن نسبة الدّمار الذي ألحقه جيش الإحتلال بالمحافظتين تجاوزت 90 %، داعيًا المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والعربية إلى فتح المعابر وإدخال المستلزمات الأساسية لإيواء المواطنين.
معاناة مشتركة
وفي مخيّم جباليا بمحافظة الشمال، تعيش عائلة النجار نفس المعاناة بعدما أقامت خيمة قرب ركام منزلها المدمّر لتأوي بها 9 أفراد. تقول الأم ماجدة النجار: “كل شيء صعب، لا يتوفّر لدينا أي شيء يمكن أن يساعدنا على الحياة، جئنا لهذا المكان لأنه لا بديل عنه”.
وتضيف عن ظروف الحياة: “لا يوجد (شبكات) صرف صحّي ولا ماء ولا فراش ولا أغطية ولا طعام ولا أي مقوّمات أخرى للحياة”.
وتتابع السيدة متحدّثة عن المعاناة اليومية: “ننقل المياه حملاً بالأيدي من مسافات بعيدة وبكميات قليلة جداً لا تكاد تكفي لتلبية الإحتياجات الأساسية”.
وتختم: “نأمل أن يتمّ في أقرب وقت توفير كل ما يحتاجه الأهالي والصامدين شمال قطاع غزّة من مقوّمات حتى يتمكنوا من مواصلة الحياة والانتصار على الاحتلال بصمودهم”.
معلوم أن نحو 650 ألف فلسطيني نزحوا من شمال غزّة خلال الإبادة الصهيونية .
دعوة لزيادة المساعدات
في الأثناء، قال المتحدّث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، أمس، إن بلاده تواصل تهيئة الأجواء لبدء مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النّار في غزّة.
وأضاف الأنصاري - خلال مؤتمر صحفي في الدوحة - أن قطر لا تعتقد أنه كان هناك خرق حقيقي للاتفاق يؤدي إلى التصعيد أو فشل الهدنة في غزة. وتابع أن الدوحة مهتمة بمراقبة التنفيذ الفني للاتفاق بشأن غزة في الميدان.
وأشار المتحدّث باسم الخارجية القطرية إلى أنه تم التوصل إلى اتفاق للإفراج عن الأسيرة التي طالبت سلطات الاحتلال بالإفراج عنها قبل يوم الجمعة.
وسمح الاتفاق بشأن الأسيرة الصّهيونية أربيل يهود ببدء تدفّق النازحين نحو شمال غزة، أمس الأول، بعد أن كان مقرّرا أن يبدأ بعد ساعات من تسليم 4 عسكريات صهيونيات السبت الماضي. وفي الشأن الإنساني، أكّد الأنصاري ضرورة العمل بشكل جاد لإدخال أكبر كم من المساعدات إلى غزّة.
وقال المتحدث القطري إن التحديات اللوجستية كبيرة أمام دخول المساعدات إلى قطاع غزة.