تقارير محليـة ودولية ترسم صـورة سوداء لواقع المغـرب

المخـزن.. مشاهد سُريالية لنظام مُفلس

فضيلة دفوس

تضخّـم وفقـر وبطالـة وركود اقتصادي..رباعية تلخّص كل شيء

لم يعد الوضع الاقتصادي والاجتماعي المغربي الصّعب يخفى على أحد، فالتقارير المحلية والدولية، على حدّ سّواء، لا تنفك في كلّ مرّة تدقّ ناقوس الخطر كاشفة عن أرقام واحصائيات مقلقة تخصّ تدني مستوى التنمية وتدهور الظروف المعيشية للشعب المغربي بسبب تعثر الاقتصاد وما ينتج عنه من تضخم وارتفاع للأسعار ولنسبة البطالة التي بلغت عنان السماء، دون الحديث طبعا عن الفساد والتراجع الحقوقي والقمع والمحاكمات الجائرة التي تطال كلّ من تسوّل له نفسه الاعتراض على السياسة المخزنية الفاشلة.

 كشف تقرير صدر الأسبوع الماضي عن المنتدى الاقتصادي العالمي حول “المخاطر العالمية لسنة 2025”، أنّ أكبر خمسة تحديات يواجهها المغرب في سنة 2025، تتلخص في الجفاف والتضخم والفقر والبطالة والركود الاقتصادي.
وأوضح التقرير أنّه من بين الأصناف الخمسة الكبرى للتحديات التي تواجه بلدان العالم (بيئية، اقتصادية، تكنولوجية، مجتمعية، جيوسياسية)، يحدق بالمغرب أساسا تحديان مجتمعيان وآخران اقتصاديان، وتحد واحد مناخي.
ويأتي التحدي المناخي على رأس المشاكل الخمسة التي يواجهها المغرب، حيث تشهد المملكة نقصا حادا في الإمدادات المائية، وهذا يؤثر بشكل كبير على اقتصادها، حيث سيستمر الجفاف في تدمير قطاع الفلاحة والتربية الحيوانية، وسيجهز على الأمن المائي والغذائي والبيئة أيضا، كما سيثير مشاكل اجتماعية لا نهاية لها.
ويحتل الخطر الاقتصادي المتعلق بالتضخم، المرتبة الثانية بعد الجفاف، ففي الوقت الذي تسجل فيه العديد من البلدان تعافيا من هذا التحدي، وتراجعه إلى مراكز متأخرة في عموم المخاطر التي يواجهها العالم في 2025، لاحظ تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن التضخم يبقى على رأس التحديات الاقتصادية في المغرب، حيث الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات، مع عدم قدرة فئات واسعة من المواطنين على الحفاظ على نمط عيشهم بسبب انخفاض القدرة الشرائية.
أما الخطر الثالث المحدق بالمغرب، حسب ذات التقرير، فهو الفقر وعدم المساواة في الثروة والدخل، حيث التفاوتات في توزيع الأصول والثروة والدخل يؤدي إلى فجوات اجتماعية، وتزايد نسب الفقر.
كما أنّ التّضخّم وارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والطاقة، يؤدي إلى زيادة كلفة المعيشة، ممّا يضغط على الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، خاصة مع تقاعس الحكومة المغربية عن اتخاذ تدابير احترازية لتحسين استراتيجيات دعم السلع الأساسية وتنفيذ سياسة نقدية أكثر مرونة.
ومعلوم أنّه في التقدير العام، تعيش نسبة كبيرة من المغاربة تحت خط الفقر أو يعانون من فقر متعدد الأبعاد، مما ينعكس على قدرتهم في الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة.
وأبرز التقرير أنّ رابع الأخطار، مجتمعي أيضا، ويتعلق بالبطالة ونقص الفرص الاقتصادية لدى المواطنين المغاربة، ويشمل ذلك إلى جانب ارتفاع نسبة العاطلين تآكل حقوق العمال وركود الأجور وعدم الوصول إلى الفرص التعليمية والتكنولوجية والاقتصادية.
ولا تزال معدّلات البطالة في ارتفاع مطرد بالمملكة، ويُعد هذا الأمر مشكلة اجتماعية خطيرة، حيث يؤدّي إلى زيادة الشعور بالإحباط والتذمر في أوساط الشباب، فضلا عن تنامي الهجرة غير الشرعية إلى الخارج، وخير دليل موقعة “الهروب الكبير” في سبتمبر الماضي.
ورغم خطورة هذا التحدي، لا تظهر الحكومة المخزنية أي اكتراث بمعاناة الشباب، فهي لا تجتهد في الاستثمار في القطاعات القادرة على توفير فرص عمل، مثل التكنولوجيا والسياح، والصناعات الخضراء، ولم تبادر حتى إلى إقرار منحة خاصة للتقليل من وقع البطالة.
وآخر المخاطر الخمسة المحدقة بمغرب 2025، والتي رصدها تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، يندرج ضمن خانة المخاطر الاقتصادية، ويتعلق بالركود الاقتصادي، إذ من المتوقع أن يواجه المغرب تحديًا كبيرًا في تحقيق نمو اقتصادي مستدام في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها من تراجع للاستثمار، وانخفاض للإنتاجية، وزيادة لعجز الميزانية العامة.

ثقــة غائبـة وتذمّـر حاضر

 التقرير الثاني الذي يوضّح بشكل مفصّل حالة اليأس وعدم الثقة التي تتخبّط فيها الأسر المغربية، صدر هو الآخر هذا الأسبوع لكن من جهة محلية، هي المندوبية السامية للتخطيط، التي أشارت بدقّة كبيرة إلى أن أزيد من 80 في المائة من الأسر صرّحت بتدهور مستواها المعيشي، وتوقعت 82,7 في المائة من الأسر ارتفاعا في مستوى البطالة خلال 12 شهرا المقبلة.
كما أبدت أغلب الأسر المغربية تصوّرا سلبيا حول وضعيتها المالية، وتوقّعت مزيدا من تدهورها، إذ صرّحت 56,5 في المائة من الأسر أن مصاريفها استنزفت 41,2 في المائة من مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض، ولا يتجاوز معدل الأسر المحظوظة التي تمكّنت من ادّخار جزء من مداخيلها 2,3 في المائة.
وصرّحت غالبية الأسر (97,5 في المائة) بأن أسعار المواد الغذائية عرفت ارتفاعا كبيرا، متوقعة استمرارها في الارتفاع وبالتالي مزيدا من التدني المعيشي والتذمر الاجتماعي الذي تعكسه الاحتجاجات والإضرابات التي تهز مختلف القطاعات في المملكة.

 الطّبقة المتوسّطة اندثرت والشّبـاب يائس

  إلى جانب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي وإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، شكل خطاب الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي، نزار بركة، الذي ألقاه الأسبوع الماضي بمدينة الدار البيضاء، صدمة كبيرة لنظام المخزن، حيث عرّى عجزه وأبان فشله في التعامل مع التحديات التي تواجهها البلاد، ومع المصاعب التي حوّلت حياة شعبه إلى جحيم حقيقي.
ورغم أن حزبه يشارك في الحكومة، فإنّ نزار بركة فضّل أن يكون صريحا وصادقا في تقييمه للواقع الاجتماعي والاقتصادي المغربي، حيث سمّى الأشياء بمسمّياتها بكل شجاعة ومسؤولية، ووضع النقاط على الحروف، فعبّر عن الشباب اليائس والطبقة المتوسطة المسحوقة وغول البطالة، وكشف ذلك التناقض الواضح بين حالة الاحباط التي يعايشها المواطن، والادّعاءات الزائفة التي تسوقها الحكومة للترويج لتحسن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وهي في واقع الأمر في انهيار متواصل.
الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لحزب الاستقلال، عكس قلقًا عميقًا بشأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في المغرب، وطرح تحديات حقيقية تواجه مختلف شرائح المجتمع، وخاصة الشباب والطبقة الوسطى.
وأوّل هذه التحديات، استفحال البطالة وارتفاع معدلاتها، حيث تبلغ 39.5 % بين الشباب، وهو ما يترجم حالة اليأس والإحباط التي يتخبّط فيها الجيل الجديد الذي فقد الثقة في المؤسسات والحكومة.
كما أشار بركة بشكل واضح إلى التدهور الذي شهدته الطبقة الوسطى في المغرب، التي كانت تمثل في وقت ما المحرك الرئيس للاقتصاد المحلي، والتي تضررت بشدة من ارتفاع تكاليف الحياة والركود الاقتصادي. فهذه الطبقة، كما قال، “تمّ سحقها”، وهو تعبير قوي يعكس فقدانها القدرة على تلبية احتياجاتها الأساسية بسبب الفوارق الاجتماعية المتزايدة، وارتفاع الأسعار، وكذلك الانخفاض الكبير في دخل الأسر.
ولم يتردّد الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي في نقد الحكومة بسبب إصرارها على تقديم مؤشرات اقتصادية واجتماعية “إيجابية” تتناقض مع الواقع الذي يعيشه المواطنون. وعبّر عن استيائه من أن الحكومة تروج لمعدلات نمو مرتفعة في حين أن غالبية المواطنين لا يشعرون بهذا التحسن في حياتهم اليومية. وهذا التناقض يعكس أزمة ثقة بين المواطنين والحكومة.

مشهــد يحكمـه اللاّمنطــق

بدوره تطرّق الكاتب والأستاذ الجامعي المغربي، الدكتور طارق ليساوي، إلى المشهد السياسي المغربي، حيث قال بأنّه مشهد سريالي يحكمه اللامنطق، وأوضح بأنّ مؤشرات هذا المشهد تتجلى في التضخم الجامح، والفساد المتوحش ذو الهندسة الأخطبوطيه، وارتفاع في البطالة والفقر والهشاشة الاجتماعية، هذا فضلا عن المصاعب التي يعيشها قطاع الأعمال نتيجة تغول ضريبي غير مسبوق، ومديونية عمومية فاقت التصور وتهدد البلاد بالإفلاس وانهيار قيمة الدرهم، مضيفا أنه” رغم سوداوية الوضع المغربي، فمن يتابع تصريحات أخنوش وفريقه، يتخيل له أن محور الحديث سويسرا أو السويد. بل الإصرار على تكرار ذات الخطاب الذي يؤكّد على الإنجازات دفعني إلى الاعتقاد بأننا نحن معشر “المعارضين” لا نرى الشمس الساطعة، وعندنا عمى مزمن يحجب عنا رؤية إنجازات حكومة تضارب المصالح”.

التّذمّـر بلــغ مــداه

 بالإضافة إلى التقارير التي تنقل تدنّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، أوردت منظمات حقوقية ونشطاء حقوقيين تقارير تسجّل واقع الانتهاكات والقمع الذي يمارسه نظام المخزن في حق شعبه وحقّ الصحراويين وحتى المهاجرين. وفي السياق قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها لسنة 2025، “إنّ السلطات المغربية واصلت حملتها القمعية ضد المعارضة، وفرّقت قوات الأمن الاحتجاجات السلمية بالقوة، وقد استثنى العفو الملكي نشطاء “حراك الريف” الذين احتجوا على الظروف المعيشية، ويقضون أحكاما تصل إلى 20 عاما في السجن”.
وفيما يخص حرية التعبير، توقف التقرير عند إدانة مجموعة من الصحافيين والناشطين بتهم ملفقة، مثل الصحافي حميد المهداوي والناشط البارز في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية فؤاد عبد المومني، والمدون يوسف الحيرش، وعبد الرحمن زنكاض، وسعيد بوكيوض بسبب منشورات تنتقد قرار المغرب تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
ورصد التقرير تفريق قوات الأمن المخزنية بالقوة احتجاجات سلمية، بما فيها مظاهرة نظّمها ذوو الإعاقة خارج البرلمان في ماي الماضي.
وانتقد إقصاء معتقلي “حراك الريف”، وعلى رأسهم القائدان البارزان ناصر الزفزافي ونبيل أحمجيق، من العفو الملكي.
أما فيما يتعلق بالمهاجرين واللاجئين، فقد أشار تقرير “هيومن رايتس ووتش” للقمع الذي يطال هؤلاء الشباب المغلوبين على أمرهم، والذي وصل الى درجة القتل مثلما وقع في مذبحة مليلية في جوان 2022، ومثلما حدث لإجهاض محاولة “الهروب الكبير” في سبتمبر الماضي.
كما أشار التقرير للتهم الثقيلة التي وجهت لبعض المهاجرين والأحكام القاسية التي صدرت في حقّهم، والتي بلغ بعضها عشر سنوات.
في الواقع، كل التقارير التي تصدر حول الواقع الاقتصادي والاجتماعي والحقوقي في المغرب سوداء، لكن يبدو بأنّ السلطة المخزنية ترفض قراءتها، واستيعاب الدروس التي تحملها بين سطورها، وتعتقد بأن المقاربة الأمنية القمعية ستمكّنها من مواجهة كل التحديات وتجاوز كل الأزمات، لكن الحقيقة الغائبة عن هذه السلطة التي تسبح ضدّ التيار، أن التذمّر الشعبي بلغ مداه والمغرب بات على حافة الانفجار.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19682

العدد 19682

السبت 25 جانفي 2025
العدد 19681

العدد 19681

الخميس 23 جانفي 2025
العدد 19680

العدد 19680

الأربعاء 22 جانفي 2025
العدد 19679

العدد 19679

الثلاثاء 21 جانفي 2025