ليس بالتفوّق العسكري والوحشية تربح الحروب

الإرادة الفلسطينيـة تهزم الاحـتلال وتخـلق جبهة عالميـة داعمة

نشر رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، ديفيد هيرست مقالا بعنوان “وقف إطلاق النار في غزة: بعد 15 شهراً من الوحشية، فشل الاحتلال على كل الجبهات”، أكد فيه “أن ‏الشعب الفلسطيني أثبت للعالم أنه قادر على تحمل الحرب الشاملة، وعدم التزحزح عن أرضه”.
اعتبر المصدر أنه “في حرب التحرير، يمكن للضعفاء والأقل تسليحا أن ينجحوا في مواجهة الصعاب العسكرية الساحقة. هذه الحروب هي معارك إرادة. ليست المعركة هي المهمة، بل القدرة على الاستمرار في القتال”.
وشدّد على أن “الاحتجاجات المناهضة للحرب، التي أدانتها الحكومات الغربية في البداية؛ باعتبارها معاداة للسامية ثم سنت قوانين ضدها باعتبارها إرهابا، أدت إلى خلق جبهة عالمية لتحرير فلسطين. وأن حركة مقاطعة الاحتلال أقوى من أي وقت مضى”.
وبدأ هيرست مقاله بالتأكيد على أن نتنياهو ظل على مدى شهور، العقبة الرئيسية في طريق وقف إطلاق النار في غزة، الأمر الذي كان يسبب إحباطا هائلا لدى وفده المفاوض. وذكر أن هذا ما تجلى بكل وضوح قبل أكثر من شهرين عندما غادر وزير دفاعه يوآف غالانت، المهندس الرئيسي للحرب المستمرة منذ خمسة عشر شهرا، قائلا؛ إنه لم يبق لدى الجيش ما يفعله داخل غزة.
ومع ذلك، أصرّ نتنياهو على الاستمرار، رافضا في الربيع الماضي صفقة وقعت عليها حركة حماس بحضور مدير الـ “سي آي إيه” وليام بيرنز، ومفضّلا شن هجوم على رفح.
وفي الخريف، توجّه نتنياهو من أجل الخلاص نحو خطة الجنرالات، التي كانت تهدف إلى تفريغ شمال غزة من السكان؛ تمهيدا لإعادة توطين الصهاينة فيه. كانت الخطة تقضي بتجويع السكان وقصفهم في شمال غزة، من خلال الإعلان عن أن كل من يرفض المغادرة طواعية، فسوف يعامل كما لو كان إرهابيا.
كانت تلك الخطة غاية في التطرف، وغاية في التناقض مع القواعد الدولية المتعارف عليها في الحرب، لدرجة أنها تعرضت للتنديد على لسان وزير الدفاع الصهيوني السابق موشيه يعالون؛ باعتبارها جريمة حرب وتطهيرا عرقيا.
وأشار الكاتب إلى أنّه لم يجبر أحد من إدارة بايدن نتنياهو على إعادة النظر في هذه الخطة. لا الرئيس جو بايدن نفسه، الذي ظل، بغض النظر عن كل خطاباته، يزود الاحتلال بالأدوات والوسائل التي تمكّنه من ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة. ولا أنتوني بلينكن، وزير خارجيته، الذي اكتسب عن جدارة في المنطقة لقب الدبلوماسي الأدنى مصداقية على الإطلاق.
ولم يجد نفعا مع نتنياهو حتى يوقف الحرب، سوى لقاء قصير جمعه مع المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، ستيف ويتكوفو فبعد لقاء واحد فقط، أزيلت جميع الخطوط الحمراء التي ظل نتنياهو يرسمها بهمّة، ثم يعيد رسمها المرة تلو الأخرى. واليوم، كما يضيف الكاتب “المزاج العام داخل الكيان يشكّك في مزاعم النصر، فالحرب تنتهي دون إنجاز أي من الأهداف الرئيسية”.

حروب التّحرير ودروس التّاريخ

 وذكر الكاتب بأنه في حرب التحرير، بإمكان الضعيف عدة وعتادا تحقيق النجاح، مخالفا بذلك كل التوقعات. فهذه الحروب ما هي سوى معارك إرادة، ليست المعركة هي التي يعول عليها، وإنما القدرة على الاستمرار في القتال.
في الجزائر وفي فيتنام، كانت الجيوش الفرنسية والأمريكية تتمتع بتفوق عسكري كاسح، ولكن انتهى الأمر بالقوات في كلتا الحالتين إلى الانسحاب بعد سنين عديدة، في حالة من الخزي والإخفاق. لقد تحقق ذلك في فيتنام بعد ست سنين من هجوم تيت، الذي كان - تماما - كما هو حال هجوم السابع من أكتوبر 2023.
وفي فرنسا، ما زالت ندبات التجربة في الجزائر حيّة حتى اليوم، في كل حرب من حروب التحرير، يثبت تصميم الضعيف على المقاومة أنه أشد حسما من القدرات العسكرية للقوي.
في غزة، كان تصميم الشعب الفلسطيني على البقاء في أرضه - حتى وهي تتحول إلى ركام - هو العامل الحاسم في هذه الحرب. وهذا إنجاز مذهل إذا ما أخذنا بالاعتبار أن المنطقة التي لا تتجاوز مساحتها 360 كيلومترا مربعا، كانت مقطوعة بالكامل عن العالم، دون حلفاء يساعدون في كسر الحصار، بدون تضاريس طبيعية تساعد على الاختباء.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19676

العدد 19676

السبت 18 جانفي 2025
العدد 19675

العدد 19675

الخميس 16 جانفي 2025
العدد 19674

العدد 19674

الأربعاء 15 جانفي 2025
العدد 19673

العدد 19673

الثلاثاء 14 جانفي 2025