تزايدت خلال العام المنصرم، مطالبات القادة الأفارقة للقوات الفرنسية بمغادرة بلادهم، فيما يشبه انتكاسة لنفوذ باريس في إفريقيا التي شكّلت لأكثر من قرنين محور السياسة الخارجية والحضور العسكري الفرنسي خارج الحدود.
ظلّت إفريقيا، لعقود، المزوِّد الرئيسي لفرنسا بالطاقة واليورانيوم والمعادن، إذ تضخّ دول أفريقيّة مثل النيجر ومالي وتشاد 25 في المائة من احتياجات المفاعلات النووية التي تعتمدها فرنسا للتزوّد بالكهرباء.
كما تضع فرنسا يدها على العديد من ثروات القارة عن طريق الشركات الفرنسية العملاقة. ووفق تقديرات بعض الخبراء، فإن 80 في المائة من كل ما يتم استخراجه من الموارد والثروات المعدنية في إفريقيا يصدّر بإشراف فرنسي نحو القارات الأخرى.
ويرى متابعون أن الخروج العسكري الفرنسي من أفريقيا ستكون له تداعيات على حجم نفوذها في القارة، خصوصا في ظل ظهور منافسين أقوياء لباريس في إفريقيا.
إنهـاء الوجـود العسكري
بعد مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد، التحقت السنغال وكوت ديفوار بركب البلدان الأفريقية التي قرّرت إنهاء الوجود العسكري الفرنسي بها؛ حيث أعلن الرئيس الإيفواري، الحسن واتارا، أنّ: بلاده قرّرت “الانسحاب المنسق والمنظم للقوات الفرنسية من أراضيها”.
وحدّد الرئيس الإيفواري، شهر جانفي الجاري موعدا لتسليم القاعدة الفرنسية في أبيدجان.
من جهته، أعلن الرئيس السنغالي، باسيرو ديوماي فاي، أنه قد أصدر تعليمات لوزير دفاعه باقتراح: “نهج جديد للتعاون في مجال الدفاع والأمن يفضي بالإضافة لنتائج أخرى، إلى إنهاء الوجود العسكري للدول الأجنبية في السنغال، اعتبارا من 2025”.
وأشار الرئيس السنغالي، إلى أنه: “سيتم التعامل مع جميع أصدقاء السنغال كشركاء استراتيجيين، في إطار تعاون منفتح ومتنوع وخال من العقد”.
وفي مقابلة صحفية قال الرئيس السنغالي، إن بلاده “دولة مستقلة، وذات سيادة، والسيادة لا تتفق مع وجود قواعد عسكرية أجنبية”، مؤكدا أنّ: “رفض وجود عسكري فرنسي في بلاده لا يعني قطيعة بين البلدين”.
قطيعـة مـع بلـدان الساحـل
فيما أكدت كوت ديفوار والسنغال، أن قرار إنهاء الوجود الفرنسي “لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على التعاون مع فرنسا”، فقد بدا الأمر مختلفا بالنسبة لدول أفريقية أخرى، خصوصا بلدان الساحل الأفريقي، التي طردت القوات الفرنسية على وقع أزمة مع باريس.وأنهت دول الساحل مختلف الاتفاقات المتعلقة بالحضور الغربي وأغلقت القواعد العسكرية الفرنسية والألمانية والغربية بشكل عام. وبدأ إنهاء الحضور الفرنسي من مالي التي ألغت كافة الاتفاقات العسكرية مع باريس ودعت القوات الفرنسية إلى مغادرة أراضيها.
إلى ذلك، استكملت فرنسا قبل أشهر انسحابها من مالي وأغلقت قواعدها العسكرية في هذا البلد، تلتها ألمانيا التي سحبت أيضا قواتها وغادرت الأراضي المالية.
من جهتها، أنهت النيجر وبوركينافاسو الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا، وغادر آخر العسكريين الفرنسيين المنتشرين في النيجر نهاية ديسمبر الماضي.
كذلك، أنهت تشاد كافة الاتفاقيات المتعلقة بالحضور العسكري الفرنسي في البلد، حيث بدأ العسكريون الفرنسيون منذ نحو شهر مغادرة الأراضي التشادية.
وكانت فرنسا، قد أعلنت قبل أشهر، عن خطة لخفض حضورها العسكري في غرب أفريقيا، وذلك في خطوة سوف تقلص من نفوذ القوة الاستعمارية السابقة.
قـوى جديـــدة تشغـــل الفــراغ
هذا وقد استغلّت قوى جديدة انتكاسة فرنسا في غرب أفريقيا والمزاج الشعبي المناوئ لها لشغل الفراغ الذي خلفه الانسحاب العسكري الفرنسي خصوصا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
ويرجع خبراء مختصون في الشأن الأفريقي تراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا بشكل عام وغرب أفريقيا بشكل خاص، إلى عدة عوامل متضافرة، أبرزها: “وعي شعبي شبابي متزايد بحجم التحكم الفرنسي في دولهم التي كانت مستعمرة من قبل فرنسا، وقد أخذ هذا الوعي طابعا نضاليا مناهضا للوجود الفرنسي، وتركز أساسا في المجال الاقتصادي والسياسي”.
وأشاروا إلى أن: “ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، قد ساهمت في مستوى تنسيق القوى الشبابية الأفريقية المناهضة لفرنسا، وللهيمنة الغربية بشكل عام”.
وأوضحوا: “بين عوامل تراجع النفوذ الفرنسي، فشل باريس المزمن في تجاربها العسكرية في المنطقة، ومن آخرها عمليتا (سيرفال) و(برخان) في منطقة الساحل، والتي أدّت عمليا لزيادة التحديات الأمنية حجما ومستوى بدل القضاء عليها”.
زمن فرنسـا يطـوى بشكل متسارع
وقال الخبراء السياسيون: “الواضح الآن، أن الزمن الفرنسي في غرب أفريقيا يطوى بشكل متسارع، سواء على شكل قطيعة وأزمة مستحكمة، كما حدث في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، أو بشكل دبلوماسي، أو بشكل أقل حدة كما حدث في تشاد، أو بشكل سياسي ودبلوماسي كما يجري الآن في السنغال وكوت ديفوار وغيرهما”.
هذا، ورجّح المتابعون للوضع في القارة السمراء أن تتسع دائرة الخروج من التبعية الفرنسية، ويتزايد الرفض الأفريقي للوجود العسكري الفرنسي خلال العام 2025.