في قلب بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، حيث يمعن الجيش الصهيوني بجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، يواصل مستشفى “كمال عدوان” العمل بإمكانات أقل من الأدنى كآخر قلاع الصمود في وجه آلة الحرب الصهيونية.
يحمل المستشفى إسم أحد قادة الثورة الفلسطينية وأبرز رموز حركة “فتح”، ويشكل ملاذا أخيرا لمرضى ومصابي الشمال الذين لم يجدوا بديلا يقدم لهم الحد الأدنى من الخدمات الطبية والإنسانية.
ومنذ هجوم الجيش الصهيوني على محافظة الشمال في 5 أكتوبر الماضي والمتزامن مع حصار عسكري مطبق، تعرض المستشفى للعشرات من عمليات الاستهداف بالصواريخ والنيران، حيث قال مسؤول صحي إن الجيش يعامله كـ«هدف عسكري”. الطاقم الطبي داخل المستشفى والمكون من طبيبين على الأكثر وعدد قليل من الممرضين مستمرون في أداء واجبهم الإنساني، كما رفضوا الانصياع لأوامر الجيش المتعددة بإخلاء مبانيه ومغادرة المحافظة رغم تواصل الجرائم بحقهم.
وتعرضت بلدة بيت لاهيا كغيرها من الكثير من أنحاء القطاع لسياسة “إبادة المدن” بنسيجها المعماري والحضاري عبر تنفيذ عمليات محو شامل وتدمير كامل للمنازل والأحياء السكنية والبنى التحتية، والقضاء على مقومات النجاة للفلسطينيين، وفق بيان للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
تسلسل زمنـي
مستشفى “كمال عداون” أكبر مستشفيات محافظة الشمال، والذي كان يقدم خدماته لأكثر من 400 ألف نسمة، يعمل اليوم وسط ظروف وإمكانات معدومة جراء الاستهداف الصهيوني له منذ أكتوبر 2023.
منذ بداية الحرب، يواصل جيش الاحتلال شن غارات مكثفة على محيط المستشفى، فضلا عن نسفه لمبان ومربعات سكنية بجواره ما يسفر عن أضرار في مبانيه، فضلا عن ارتقاء شهداء وتسجيل جرحى داخل المشفى أو خارجه.وقد تعرض المستشفى، لأول أمرة، بالإخلاء في 14 أكتوبر 2023، لتتوالى الاعتداءات من قصف وإطلاق نيران باتجاه الساحات وغرف المرضى، الأمر الذي أدى إلى استشهاد الكثير من المصابين والنازحين الذين ظنوا بأنه مكان آمن يمكن اللجوء إليه للاحتماء.
وفي 12 ديسمبر 2023، اقتحم الجيش الصهيوني المستشفى بعد حصار مطبق وأجبر بعد يومين نحو 2500 نازح على الإخلاء واعتقل عددا من الطواقم الطبية.
وبعد أربعة أيام انسحب الجيش من المستشفى بعد تدميره الجزء الجنوبي منه وتهجير النازحين بداخله والتنكيل بمرضاه وقمع الطواقم الطبية.
في منتصف جانفي الماضي، تم استئناف العمل جزئيا في مستشفى كمال عدوان، لكن الاعتداءات الصهيونية لم تتوقف، بل تفاقمت وخرج في ماي مجددا عن الخدمة بعد قصف كثيف استهدف محيطه ومبانيه.
وفي جوان الماضي، عاد المستشفى للعمل جزئيا بإمكانات ومستلزمات طبية قليلة، لكن الأمر ساء منذ أكتوبر، مع بداية الهجوم الصهيوني على الشمال، حيث استهدفت المقاتلات الصهيونية خزانات مياهه وشبكة كهربائه، ومحطات الأكسجين، وتجدّدت الإنذارات بالإخلاء، كما زادت عمليات الاقتحام واحتجاز مئات المرضى والطواقم الطبية والنازحين الذين احتموا داخل مبانيه.
وقد سجّلت وفاة أعداد كبيرة من الجرحى لعدم وجود تخصصات جراحية، وتعرّض العديد من الأطباء للقتل أو الإصابة، وأيضا لمنع دخول المستلزمات الطبية بسبب الحصار الذي يفرضه الاحتلال على الشمال.
أوضـاع حرجــة
في السياق، قال مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبوصفية، في بيان السبت، إن “المستشفى يواجه أوضاعاً حرجة مع استمرار الجيش الصهيوني في إطلاق النار حوله على مدار الساعة”.
وأوضح، أن “المستشفى يعاني من نقص حاد في الإمدادات الضرورية، حيث لم يتم تلبية احتياجات الصيانة لضمان استمرار الكهرباء والمياه والأكسجين، رغم الوعود التي لم تتحقق حتى الآن”.وأشار إلى أن الجيش يواصل منع دخول “المستلزمات الطبية والطواقم الصحية اللازمة، ما يفاقم الوضع الإنساني”.
وحذر أبوصفية من أن “الطعام شحيح للغاية، ولا نستطيع توفير وجبات للجرحى ولا حتى للطاقم الطبي الذي يعمل على مدار الساعة”.
وناشد المجتمع الدولي بسرعة التدخل لتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية، بما يشمل الطعام والمستلزمات الطبية والأدوات الجراحية.
وختم قائلا: “المستشفى يتعرض بشكل مستمر لإطلاق النار، مع نشاط مكثف للقناصة، مما يجعله يبدو وكأنه هدف عسكري، جدرانه مليئة بالرصاص والقذائف، رغم أنه مستشفى صغير يقدم خدمات إنسانية فقط”.