بات النظام المغربي في قلب أزمات داخلية معقّدة وإدانات خارجية متتالية تعصف بأمنه واستقراره وتضعه على حافة الانفجار، خاصة مع استمراره في تبني سياسة الهروب إلى الأمام التي يترجمها سلوكه القمعي ضدّ شعبه في الداخل وضدّ الصحراويين في الإقليم المحتل، واصطفافه إلى جانب الصهاينة الذين يرعون استبداده ويشجعون تطاوله على الشرعية الدولية.
لا يكاد يمرّ يوم في المغرب إلاّ وتتكدّس الشوارع والساحات بجموع الغاضبين المندّدين، تارة بوضعهم المعيشي المتدّني، وتارة بالفساد وبالانتهاكات الحقوقية التي تنتهي بالكثيرين في غياهب السجون بمحاكمات صورية.
لقد أصبحت الاحتجاجات التعبير الوحيد للمغاربة عن واقعهم المعيشي الصعب، حيث باتوا يدفعون وحدهم ثمن السياسات الاقتصادية الفاشلة التي أغرقت البلاد في المديونية والبطالة، وعجزت عن حفظ الأمن الغذائي والمائي كما عجزت حتى عن إسكان مجموعة صغيرة من منكوبي زلزال الحوز الذين ما زالوا بعد 15 شهرا في العراء.
غضـــــــــب يعصــــــف بالاستقــــــرار
إضرابات في قطاعات حساسة وتصاعد في حدّة المظاهرات والاحتجاجات، واقع يعيشه المغرب منذ مدة طويلة، إذ لا يمر يوم دون أن تجوب الشوارع مسيرات، بعضها يرفض التطبيع وينادي بإصلاح سياسي شامل، وأخرى تنتفض ضد الفساد وسياسة القمع. ومع ذلك، يتشارك جميع المتظاهرين صوتًا واحدًا يقول: “نحن نعيش وضعًا بائسًا وزمن الصمت قد ولى.”
تردي الوضع المعيشي للشعب المغربي واتساع رقعة الفقر والارتفاع غير المسبوق للأسعار، زاده سوءًا عدم اتخاذ الحكومة إجراءات تحد من تداعيات الجفاف الذي شلّ قطاع الفلاحة في البلاد. ورغم ذلك، فضلت الحكومة تصدير جزء كبير من المنتجات الفلاحية نحو إسبانيا وفرنسا على حساب تلبية احتياجات الأسواق الداخلية.
الشبــــــاب والبطالــــــة والهــــــروب الكبــــــير
كما أصبحت البطالة في غياب تعويض عنها، مشكلة متفشية بين الشباب المغربي، إذ وصلت إلى مستويات قياسية لم تبلغها منذ عقود، مما يعكس الانهيار المستمر للاقتصاد المغربي. وأشارت تقارير منظمات مغربية رسمية إلى أن عشرات الآلاف من الشركات تقترب من إعلان إفلاسها. والسبب، بحسب الكونفدرالية المغربية للشركات الصغيرة جداً والصغيرة والمتوسطة، هو نقص التمويل وتراجع الصفقات العمومية، إضافة إلى تأخر أو امتناع بعض الشركات الكبرى عن سداد مستحقاتها.هذا الوضع الصعب دفع العديد من الشباب المغربي إلى الهجرة الجماعية، وهو ما شهدته البلاد في ما سُمي بـ«الهروب الكبير”. شباب من مختلف المدن المغربية حاولوا عبور الحدود بأي ثمن، هاربين من الوضع البائس الذي يعيشونه.
ســــــــــير نحـــــــــــو الهاويــــــــــــــــــة
المؤشرات الحالية تؤكد ما حذر منه خبراء بأن المغرب يمر بأسوأ أزمة عرفتها البلاد منذ عقود، تشمل جميع القطاعات. الجبهة الاجتماعية ملتهبة بسبب ارتفاع الأسعار وتدهور المستوى المعيشي، والإضرابات تشل العديد من المؤسسات، ولم تؤد سياسة التطبيع التي انتهجها نظام المخزن مع الكيان الصهيوني إلا إلى تعميق الأزمات، مما أدخل البلاد في متاهة يصعب تحديد مخرجها.
ومع تفاقم الأوضاع المعيشية في المغرب وما انجر عن ذلك من أزمات مست بشكل قوي الفئات الهشة من المجتمع، دقت العديد من الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية بالمملكة ناقوس الخطر وحذرت مما قد يترتب عن ذلك من انفجار اجتماعي.وفي هذا الإطار، حذر رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عزيز غالي، من “أن البلاد تسير إلى الهاوية وأن الأسوأ قادم، جراء سياسات الحكومة التي أدخلت البلاد في وضعية فقر بامتياز”. وقال “أن الوضع المتأزم بالمملكة على الصعيد السياسي وكذا الأزمة الاجتماعية التي ولدت احتقانا شديدا قد يمهد لثورة شعبية بدأت معالمها تلوح في الافق”.
كما كشف عن العديد من الخروقات للمسؤولين، ومنها ما مسّ البينية الاقتصادية وحذر من حالة الانغلاق الاقتصادي والتراجع الكبير في الصناعة بالمملكة وانفراد الحكومة بالتوقيع والمصادقة على اتفاقيات تمس بسيادة المملكة، دون نقاش سياسي أو برلماني، منبها إلى أن هذه السياسات وغيرها كمعضلة المديونية أدخلت المغرب في وضعية فقر شديد.
ردّة حقــــــــــــــــــوقيــــــــــــــــة
وعن الوضع الحقوقي بالمغرب، أشار عزيز غالي إلى التقارير الدورية التي تصدرها الجمعية المغربية لحقوق الانسان في هذا الإطار والتي تؤكد على تنامي ظاهرة الاعتقال السياسي، ناهيك عن الاختفاء القصري والمتابعات بحق الصحفيين والمدونين.
من جهتها، ندّدت نقابة “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” بالمنع والقمع الذي تعرضت له مسيراتها الاحتجاجية في كل الأقاليم، مؤكدة أن “البلاد باتت تعرف ردة حقوقية وتضييقا ممنهجا على هامش الحريات الذي تراكم بفضل نضالات قواها الديمقراطية”.
وأوضحت النقابة المغربية، أن “الوضع الاجتماعي المتأزم واستمرار موجة الغلاء وتدهور القدرة الشرائية للمغاربة، واتساع دائرة الفقر والاستبعاد الاجتماعي لن يعالج بالمقاربة الأمنية أو بالحلول الترقيعية، مشددة على ضرورة حل النزاعات الاجتماعية واحترام الحريات النقابية، والقطع مع كافة أشكال الفساد والريع والامتيازات ومحاربة الاحتكار والمضاربات”.
بعيـــــــــــد عــــــــن الحريـــــــــة والديمقراطيــــــــــة
وسعيا منه لإخفاء واقعه المرّ، فإن المخزن يواصل سياسته القمعية لأصوات المعارضة، وأخر معارض تم اعتقاله لكونه تحدى النظام المغربي، هو فؤاد عبد المومني، المدافع المغربي عن حقوق الانسان، حيث أكد هذا الاخير في حديث خص به مؤخرا الاعلام الاسباني “آل-أنديباندانتي: “ان المغرب لايزال دولة ديكتاتورية تقمع أولئك الذين يحاولون ممارسة حرياتهم”.
وأضاف عبد المومني، أن “المغرب بعيد كل البعد عن كونه بلدا ودولة حرة وديمقراطية، في الوقت الذي لا زلنا نواجه قيودا على كل ما يعتبره المسؤولون مهما، حيث انه لا يمكننا النقاش ولا التعبير… ولا نزال نواجه سلوكيات غير مشروعة تجاه الاصوات الناقدة، مثل التشهير في وسائل الاعلام التي يرعاها النظام المغربي أو تلفيق التهم”.
وقال في حديثه لوسيلة الاعلام الاسبانية، ان سبب اعتقاله “هو منشور في موقع “فايسبوك” اعتبرته السلطات المغربية تشهيرا”، مشيرا الى انهم “اعتبروا انني كنت اتهم السلطات المغربية باستعمال وسائل الجوسسة، سيما ضد فرنسا”.
وأكد أنه تعرض لتهديدات تمس حياته الخاصة، بما في ذلك التجسس على هاتفه. كما تم تهديد كل من يتعامل معه بأمور “فظيعة”، مبرزا بأن أسرته تم تهديدها أيضا بالتصفية. وأوضح المعارض المغربي، الذي سجن مرتين، أن “الدولة لا تزال متمسكة بسياسة القمع وتقييد حرية التعبير”، ساعية لترهيب الأصوات الناقدة وردعها عبر التهديد بالتهم الثقيلة والإجراءات القانونية.وعلاوة على قمع الاصوات الحرة، فان المأرب الذي وصفه مكتب الامم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة بأنه “محور عالمي لتهريب المخدرات والكيف”، لا يزال يلوح بورقة تهريب المخدرات كوسيلة لدعم شبكاته الواسعة من الفساد.
ممارســــات رهيبــــة ضــــدّ الصحراويــــــين
إذا كان النظام المغربي لا يتردّد في ممارسة انتهاكاته الحقوقية الجسيمة ضد شعبه، فإنّ ممارساته لهذه الانتهاكات في الأراضي الصحراوية المحتلة يتخذ شكلا رهيبا، حيث تتراوح هذه الخروقات بين العنف والاعتقال ونزع الملكية وسرقة الثروات والمحاولات اليائسة للتطاول على اللوائح الأممية والاحكام القضائية بغرض ترسيخ احتلاله للإقليم الصحراوي.
وفي السياق، أكدت “رابطة حماية السجناء الصحراويين” في تقريرها لسنة 2023 استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية مع تصاعد وتيرة القمع والاعتقالات التعسفية التي تمارسها سلطات الاحتلال المغربي بحق الصحراويين الذين يناضلون من أجل الحرية والعدالة.ومن خلال هذا التقرير السنوي، وثقت الرابطة استمرار السلطات المغربية في تنكرها لحق المواطنين والنشطاء الصحراويين في المحاكمة العادلة وتقوم بدلا من ذلك بالزج بهم في متابعات تتم خارج اطار القانون عبر اللجوء إلى المحاضر الملفقة والمفبركة والتي يتم توقيعها تحت الإكراه والتعذيب وفي إخلال تام بالضمانات المنصوص عليها في القوانين الاجرائية.
الجـلادون يستبيحـون كـل أشكـال التعذيـب
وعن الوضع الصحي والحق في العلاج، أكد التقرير الحقوقي على أن الاحتلال المغربي يواصل تعذيب الأسرى الصحراويين بشكل منظم ويحرمهم من الرعاية الطبية والاتصال بعائلاتهم ومن أبسط الحقوق التي تكفلها القوانين والمواثيق الدولية. ليس هذا فقط، بل أن الاحتلال، يضيف ذات التقرير، يواصل قمعه لكل صوت صحراوي يطالب بالحرية. ففي أكتوبر 2023، تم اعتقال الناشط الحقوقي براهيم دير وبحبسه في سجن العيون بعد مشاركته في مظاهرة سلمية تطالب بحق تقرير المصير ليتم تهديده بالتعذيب أثناء التحقيقات واحتجازه لفترات طويلة دون محاكمة عادلة.
أما الطالب الصحراوي محمد البشير، فقد تم اعتقاله في جانفي 2023 بسبب منشوراته عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تدعو إلى احترام حقوق الشعب الصحراوي، ليضاف إلى قائمة طويلة من المعتقلين السياسيين الذين يواجهون القمع المستمر بسبب نضالهم السلمي.
منــــــــع الـــــرأي المخالـــــــــف بالقـــــــــوة
وأوضحت الرابطة، أن هذه الانتهاكات لا تقتصر على التعذيب الجسدي والنفسي فحسب، بل تشمل أيضا حرمان الصحراويين من التعبير عن آرائهم، مشيرة الى أن قوات الاحتلال المغربي تتعامل مع أي تحرك شعبي أو احتجاج سلمي بعنف مفرط، حيث تم تفريق المظاهرات بالقوة في العديد من المناطق الصحراوية دون استثناء النساء الصحراويات من التعنيف والضرب، والصحفيون الذين حاولوا تغطية هذه الأحداث، مثل محمد عبد الله، تم اعتقالهم واحتجازهم لفترات طويلة في ظروف مهينة، في محاولة لإسكات أي صوت يعارض الاحتلال.
توسيــــــــــع صلاحيـــــــــات (المينورســــــــــو)
أما فيما يخص الأمم المتحدة، فقد دعا التقرير إلى ضرورة منح بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) صلاحيات أكبر لمراقبة حقوق الإنسان في المنطقة، حيث يعتبر التقرير أن تمديد مهمة (المينورسو) لعام آخر دون منحها هذه الصلاحيات هو استمرار لتجاهل معاناة الشعب الصحراوي.
تقرير “رابطة حماية السجناء الصحراويين” جاء بعد تنديد الندوة البرلمانية للتضامن مع الشعب الصحراوي، التي انعقدت نهاية الأسبوع الماضي بالعاصمة البرتغالية لشبونة، بتدهور أوضاع حقوق الانسان في الأجزاء المحتلة من الصحراء الغربية، ودعوتها لضرورة سماح الاحتلال لمنظمات حقوق الإنسان والمراقبين الدوليين المستقلين بدخول الإقليم للوقوف على واقع الأوضاع في المنطقة.
ممارســـــــات تستهــــدف الهويــــة الصحراويــــــة
وفي محاولة لطمس الهوية الصحراوية، بحسب التقرير نفسه، يمارس الاحتلال سياسة تهميش واضحة ضد الثقافة الصحراوية، حيث يمنع تدريس اللغة الحسانية في المدارس الصحراوية ويحظر تنظيم الفعاليات الثقافية التي تحتفل بالتراث الصحراوي كما يتم إغلاق المكتبات التي تحتوي على كتب توثق تاريخ الصحراء الغربية، وهو ما يعتبر جزءا من سياسة محو الذاكرة الثقافية الصحراوية.