لا شكّ أن اسبانيا التي تدير اليوم ظهرها للشرعية الدولية وتتملّص من موقف الحياد لتزكّي الخيار أحادي الجانب الذي فصّله الاحتلال المغربي على مقاسه لإحكام قبضته على الصحراء الغربية ، تتحمّل المسؤولية الكاملة عن وقوع الإقليم الصحراوي في براثن الاستعمار الغاشم، فهي التي غدرت بالشعب الصحراوي قبل 47 عاما، وبدل أن تمكّنه من استفتاء تقرير المصير والاستقلال لما أخذت العزم على الانسحاب، عقدت صفقة مع المغرب ومع موريتانيا أيضا باعت من خلالها ما لا تملك لمن لا يملك وقبضت مقابلها الثمن الغالي على حساب الشعب الصّحراوي الذي كان يترقّب في تلك الفترة تنظيم استفتاء حرّ ونزيه لتقرير مصيره، ولأجل ذلك كان الاحتلال الإسباني قد نظّم إحصاء عام 1974.
الصّفقة أو المؤامرة، اتّخذت طابعا قانونيا تجسّد فيما يعرف بـ»اتفاقية مدريد «التي قسّمت الإقليم الصّحراوي بين المغرب الذي كان ولا يزال يصرّ على اعتبار الصّحراء الغربية جزءا من حدود دولته قبل الاستعمار، وبين موريتانيا التي كانت هي الأخرى تصرّ على أحقّيتها في الإقليم الصّحراوي، باعتبار أن لسكاّنه تقاليد شبيهة بتقاليد الشعب الموريتاني.
الاتفاقية الثلاثية وقّعت في 14 نوفمبر 1975 بمدريد وتمّت بإيعاز من فرنسا وتأييد من أمريكا، سمّاها الصّحراويون «بالاتفاقية اللّصوصية» وتضمّنت البنود التالية:
1 - تعلن إسبانيا تصفية استعمار أراضي الصّحراء الغربية واضعة حدّا لمسؤوليتها وسلطاتها كقوّة إدارية.
2 - تشرع إسبانيا فورا بإنشاء إدارة مؤقتة في الأراضي الصّحراوية يشارك فيها المغرب وموريتانيا وتنقل إلى هذه الإدارة المسؤوليات والسّلطات التي تشير إليها الفقرة السّابقة.
3 - يتمّ إنهاء الوجود الإسباني على الأراضي الصّحراوية نهائيا في 28 فيفري1976.
4 - يحيط البلدان الثلاثة (المغرب، موريتانيا، إسبانيا) الأمين العام للأمم المتّحدة علما بما جاء في هذه الاتفاقية.
اتفاقية مدريد مكّنت إسبانيا من الحصول على الكثير من الغنائم، من بينها استغلال منجم فوسفات بوكراع. وحصولها على امتيازات فيما يتعلّق بالصّيد البحري والتعاون الاقتصادي.
لكن هذه الاتفاقية لا تملك الشرعية القانونية، لأن الأمم المتّحدة لم تقرّها، وهي لا تعترف إلى حدّ اليوم سوى بإسبانيا كقوّة استعمارية مديرة للإقليم، كما أنّها لا تعترف إلى غاية اللّحظة بالمغرب كقوّة مديرة للصّحراء الغربية، ومن ثمّة فهذا الأخير لا يعتبر سوى قوّة محتلّة وغازية.
وقد رفضت البوليساريو اتّفاقية مدريد وطالبت بضرورة احترام الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية فيما يتعلّق بحق تقرير المصير للشعب الصّحراوي ووجّهت سلاحها ضدّ المحتلين الجدد.