الحروب والتدخلات العسكرية أيّا كانت أهدافها ومبرّراتها فهي خيارات قاتلة لأنّها تقلّب حياة الناس رأسا على عقب، بل وتحوّلها إلى جحيم حقيقي، حيث يموت ويصاب كثيرون، ويتيه الباقي بحثا عن منفذ للهروب أو ملجأ للاختباء
والنجاة، وهو حال الأوكرانيين اليوم الذين وجدوا أنفسهم فجأة وسط مواجهات مسلّحة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ما اضطرهم إلى مغادرة منازلهم لتبدأ حركة نزوح هستيرية ستخلق حتما أزمة إنسانية غير مسبوقة في هذه المنطقة.
بدأت عملية النزوح قبل التوغل الروسي وتفاقمت بعده، حيث شكلت السيارات شللا في حركة الطرق نتيجة كثرة الراغبين في الفرار، كما شوهدت الطوابير الطويلة أمام المتاجر وداخلها وأمام أجهزة سحب الأموال ومحطات الوقود.
واصطف آلاف من سكان العاصمة على امتداد مسافات طويلة أمام المتاجر وداخلها بغرض شراء المواد الأساسية، إضافة إلى ماكينات سحب الأموال، التي شهد بعضها مشادات ومشاحنات بعد أن فرغت الأموال منها، بخاصة مع تحديد البنوك سقوفا للسحب.
كما اصطفت آلاف السيارات أمام محطات الوقود، وأدى ذلك إلى أزمات خانقة في العديد من شوارع كييف.
وأفادت الأمم المتحدة، أن آلاف الأوكرانيين نزحوا من منازلهم داخل أوكرانيا فيما غادرها آلاف آخرون إلى الخارج.
هكذا، بين ليلة وضحاها تحوّلت حياة الأوكرانيين إلى جحيم، حيث يمضون لياليهم في محطات القطارات تحت الأرض بعد أن ضاقت الملاجئ بما حملت، وكثيرون هائمون على وجوههم بعد أن تقطّعت بهم السبل ولم يجدوا أماكن يحتمون بها.
وقد حذرت كاترين رامبل بصحيفة «واشنطن بوست» من أن أوروبا والغرب عموما ربما يكونون على أعتاب أكبر نزوح للأوروبيين منذ الحرب العالمية الثانية، داعية أميركا والحلفاء الآخرين إلى الاستعداد الآن قبل أن تصبح هذه الأزمة الإنسانية كبيرة بالحجم الذي يخشاه كثيرون. وأوضحت أن القيام بذلك سيصب في مصلحة اللاجئين الأوكرانيين، ومصالح أميركا.
ونسبت رامبل، في مقال، إلى مسؤولين أميركيين قولهم إن الحرب قد تؤدي إلى نزوح ما يصل إلى 5 ملايين أوكراني، وهو ضعف عدد المهاجرين الذين طلبوا اللجوء في أوروبا في ذروة أزمة اللاجئين السوريين في عام 2015.