في ذكـرى إعـلان الجمهوريـة الصّحراويـة

رحـلـة كفـاح عمـرها 46 عـامـا

فضيلة دفوس

 في نفس الموعد من كلّ سنة، تعود ذكرى  ميلاد الجمهورية العربية الصّحراوية الديمقراطية، وفي نفس الموعد أيضا نقف لتستذكر الإنجازات والمكاسب التي حقّقها الصّحراويّون، والتحدّيات التي يواجهونها في رحلة كفاحهم الطّويلة من أجل الحرية التي يمتدّ عمرها إلى ما يقارب النصف قرن.

بعد أيام قليلة، وتحديدا الأحد المقبل سيحتفل الشعب الصحراوي بالذكرى 46 لإعلان  الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية،  الذي تمّ في 27 فبراير 1976 بقرار من الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب
«البوليساريو» كخطوة أساسية في مسيرة بناء الدولة الصحراوية على كامل أراضيها التي وقعت في قبضة الاحتلال المغربي بعد أن تآمر مع الاحتلال الإسباني، واستغلّ توقيع اتفاقية مدريد الثلاثية ليزحف بمئات الآلاف من مواطنيه في اتجاه الجنوب، ويفرض سلطته على الشعب الصحراوي الذي رفض منذ البداية الاستسلام لقدره، وقرّر حمل السلاح ورفع لواء المقاومة  لأجل استعادة حقّه المغتصب.
الاحتفال  بذكرى ميلاد الجمهورية الصحراوية، يأتي ككلّ مرّة في أجواء تطبعها عزيمة لا تلين للشعب الصحراوي وقيادته على تحرير الأرض عبر السبل القانونية التي تضمنها المواثيق والشرعية الدولية، وأيضا عبر الكفاح المسلّح  الذي قرّر الصّحراويّون استئنافه قبل سنتين  مجبرين لا مخيّرين، للردّ على الاستفزازات والاعتداءات المغربية المريعة.
كما يأتي الاحتفال وسط مكاسب سياسية ودبلوماسية كبيرة حقّقتها الجمهورية العربية الصحراوية في مقدّمتها الاعتراف الدولي المتزايد بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، وحضورها القوي والفعال في العديد من المحافل القارية والدولية الهامة، آخرها القمة الإفريقية الأوروبية في بروكسل، حيث حضرت جنبا الى جنب مع دول القارة السمراء، وحظي رئيسها إبراهيم غالي بتقدير كبير، وألقى كلمته التي عرض فيها أطوار ما يعيشه الصحراويون  من ضيم وبطش على يد الاحتلال المغربي، كما شاركت الجمهورية العربية الصحراوية في القمة الإفريقية المنعقدة مؤخرا بأديس أبابا باعتبارها عضوا مؤسسا، ونالت الكثير من الدّعم والتأييد، في حين مني المغرب بنكسة كبيرة بعد أن تمّ إجهاض مسعاه لإدخال إسرائيل إلى التكتل القاري.
 مكاسب صحراوية ونكسات مغربية
 لقد أدرك الصّحراويّون قبل أزيد من أربعة عقود، أولوية إعلان الجمهورية وأهمّية بناء مؤسسات إدارية وقانونية متكاملة تقود النضال السياسي، وبالفعل حقّقت هذه المؤسسات مكاسب عديدة، حيث انتزعت الدولة الصحراوية الاعتراف الدولي وأقامت علاقات دبلوماسية واسعة، فضلا عن سفاراتها الموجودة في عواصم دول شقيقة وصديقة، ومقعدها في الإتحاد الإفريقي.
ولعل من أبرز الدلائل على المكانة التي أصبحت الجمهورية الصحراوية تحتلّها، هو حضورها أشغال القمة المشتركة بين الاتحاد الإفريقي والإتحاد الأوروبي التي جرت يومي 7 و18 فيفري الجاري بالعاصمة البلجيكية بروكسل، حيث مني المغرب بهزيمة نكراء إثر الحضور الرسمي للرئيس الصحراوي إبراهيم غالي في القمة. هذا الحضور أكّد أيضا فشل المخزن في الدفع بأوروبا لتبني موقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والاعتراف بالسيادة المزعومة للمغرب على الصحراء الغربية، وكذا تغيير موقف الولايات المتحدة من القضية الصحراوية، إذ لازالت واشنطن متمسّكة بالحل الأممي التفاوضي للنزاع الصحراوي، على اعتبار أنّ القضية الصحراوية هي قضية تصفية استعمار، ويجب حلها في إطار الشرعية الدولية استنادا لما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي.
وعليه فإنّ النظام المغربي أخفق من جديد في مراهنته على إسقاط الشرعية الدولية التي لا زالت تؤكّد عليها أيضا المحاكم الدولية والأوروبية من خلال إدانتها لممارسات نظام المخزن تجاه حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، ومواصلته نهب ثروات الصحراويين.
المحكمة الأوروبية والقرار العادل
  يبقى أهمّ انتصار قضائي انتزعته القضية الصحراوية في الأشهر الماضية، هو ذلك الحكم الذي أصدرته محكمة الاتحاد الأوروبي في 29 سبتمبر الماضي، وألغت بموجبه اتفاقيتي الصيد والزراعة، اللتين تربطان المغرب بالاتحاد الأوروبي والموسعة إلى الصحراء الغربية المحتلة، مؤكدة على وجوب استشارة الشعب الصحراوي صاحب السيادة على ثرواته قبل أي تعامل اقتصادي.
وأصدرت المحكمة قرارا ألغت بموجبه الاتفاقيتين، كون أنّ إبرامهما شكل انتهاكا لقرار محكمة العدل الأوروبية لسنة 2016، وتمّ دون موافقة الشعب الصحراوي، وممثله الشرعي والوحيد جبهة البوليساريو.
كما أكّدت محكمة الاتحاد الأوروبي أنّ جبهة البوليساريو هي الممثل الوحيد والشرعي للشعب الصحراوي، المعترف به دوليا، والتي تتمتّع بالاستقلالية والمسؤولية للتصرف أمام القضاء الأوروبي.
وعزّز القرار الجديد للمحكمة الأوروبية الحكم الصادر في 2016 عن محكمة العدل للاتحاد الأوروبي، والذي نص على أن اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لا ينطبق على الصحراء الغربية، التي تصنف إقليما منفصلا عن المملكة المغربية.
وجاء قرار المحكمة ردّا على الطعون التي أودعتها جبهة البوليساريو بخصوص نهب ثروات الشعب الصحراوي.
معركة اقتصادية لوقف نهب الثّروات
 تخوض جبهة البوليساريو «معركة اقتصادية» قانونية خاصة أمام محكمة العدل الأوروبية، بهدف وقف «نهب الموارد الطبيعية للصحراء الغربية المحتلة، لاسيما الزراعات التصديرية والفوسفات وصيد الأسماك، كما تسعى إلى إجبار الشركات الأوروبية التي تستثمر بطريقة غير شرعية في الإقليم المحتل إلى المغادرة».
وسيكون لقرار المحكمة الأوروبية تداعيات على فرنسا وإسبانيا، باعتبارهما أكبر محرك للاستثمار الأوروبي في الأراضي الصحراوية المحتلة. وتعد إسبانيا أكبر مستثمر في قطاع الصيد البحري في الصحراء الغربية أين تنشط 92 باخرة صيد تابعة لها من أصل 128 المتواجدة في هذا الإقليم.
وحسب أرقام نشرتها الصحافة الإسبانية، فإن 90 بالمائة من الثروة السمكية المعنية باتفاقية المغرب مع الاتحاد الأوروبي تصطاد من السواحل الصحراوية، حيث يحصل المغرب مقابل هذا الاستغلال على 52 مليون دولار سنويا.
ألمانيا، إسبانيا وروسيا مع الحل الأممي
 فترة عصيبة وضربات موجعة تلقاها المغرب  خلال السنة المنصرمة من طرف العديد من الدول الوازنة التي رفضت الانسياق وراء  طرحه الاستعماري، وأصرّت على دعم الشرعية  من خلال الدفع باتجاه حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الجميع  في الصحراء الغربية على أساس القرار 2602 لمجلس الأمن الأممي.
وفي السياق، أصرّت ألمانيا على نفي المزاعم التي ساقها المخزن وإعلامه الضال، وأكّدت أنها لا تؤيّد خيار «الحكم الذاتي» الذي يصرّ على فرضه بصفة أحادية، معلنة أن موقفها لم يتغير ولازال على نفس الحال منذ عقود وهو دعم توصيات الأمم المتحدة، كما كشفت عن احتضانها للندوة 46 للتضامن مع الشعب الصحراوي ومساندته (ايكوكو) السنة المقبلة.
ومعلوم أن هذا الموقف، رفع من مستوى التوتر بين برلين والرباط، والذي لم يتم تجاوزه إلى الآن.
ونفس الشيء حصل بين إسبانيا والمغرب إلى درجة حدوث القطيعة بينهما، خاصة بعد أن استقبلت مدريد الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي للعلاج من وباء كوفيد، وبعد أن رفضت تأييد إعلان ترامب اللاشرعي، وأكّدت دعمها للحل السياسي التفاوضي.
كما جدّد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف التأكيد على أن الوضع النهائي للصحراء الغربية لا يمكن أن يتحدّد إلا من خلال الاستفتاء، الذي وافق عليه مجلس الأمن الدولي والطرفين المغرب المحتل وجبهة البوليساريو.
وأوضح رئيس الدبلوماسية الروسية، أن موسكو تعارض الخطوات الأحادية الجانب مثل التي حدثت عندما اعترف الرئيس الأمريكي السابق دولاند ترامب بالسيادة المغربية المزعومة،
ونفس الموقف تبنّته إيطاليا ودول عديدة أخرى، ما يؤكّد أنه لم يعترف العالم بالاحتلال المغربي للصحراء الغربية ولن يعترف به.
بايدن يتجاهل إعلان ترامب
 بالرغم من أنّ كثيرين اعتقدوا بأنّ إعلان ترامب اللاشرعي الذي تضمّن اعترافه  المزعوم بمغربية الصحراء الغربية، سيحدث فارقا لصالح الاحتلال، إلاّ أن الواقع أثبت غير ذلك تماما، فالعالم أجمع بما فيه الدول الداعمة للمغرب مثل فرنسا، رفضت الانسياق وراء خطيئة الرئيس الأمريكي السابق، والتزمت بالشرعية وقراراتها التي تعتبر الصحراء الغربية أرضا محتلة معنية بتقرير المصير والاستقلال.
والأمر لم يتوقّف عند هذا الحد، فالمغرب الذي ارتمى في الحضن الصهيوني معتقدا بأنه
سينتزع مكاسب لا تعدّ ولا تحصى، لم يجن شيئا من خيانته للقضية الفلسطينية ومتاجرتها بمحن ومعاناة الشعب الفلسطيني، واكتفى بهدر المال العام في اقتناء مزيد من الأسلحة من اسرائيل، تاركا شعبه فريسة للجوع وضنك العيش.
المغرب الذي هلّل طويلا لإعلان ترامب لم يحصل أبدا على مراده، فالإدارة الأمريكية  الجديدة تحت قيادة بايدن، حتى وإن لم تلغ  الاعتراف «الترامبي» الذي يزعم  بمغربية الصحراء الغربية المحتلة، فهي لم ترسّمه أو تقرّه، ويستشف ذلك من خلال تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد رايس، الذي أكّد على تمسّك إدارة بادين بالمسار السلمي، لتسوية النزاع في الصحراء الغربية وبتنظيم استفتاء تقرير المصير.
كما اعترض الكونغرس الأمريكي على فتح قنصلية الولايات المتحدة في الداخلة المحتلة، وبيع طائرات بدون طيار للمملكة المغربية، وهما الوعدان اللذان سبق وأن قطعهما الرئيس الأمريكي السابق للرباط.
وذكرت مصادر، أنّه مع نهاية شهر ديسمبر الماضي، توجّه السفير الأمريكي في الرباط، ديفيد فيشر، إلى ميناء الداخلة المحتلة، لافتتاح مكتب دبلوماسي افتراضي في هذه الأخيرة، والإعلان عن بدء إجراءات تجسيد المشروع على الأرض، لكن لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، اعترضت على ذلك، على اعتبار أنه لا حاجة لوجود قنصلية أمريكية هناك، الأمر الذي يعني حظرها من الناحية القانونية.
ويذكر أنّ رئيس الدبلوماسية الأمريكية أنتوني بلينكين، كان قد أكّد خلال اجتماع عقده  مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، دعم الولايات المتحدة للمفاوضات السياسية بهدف حل النزاع في الصحراء الغربية، داعيا إياه إلى الإسراع في تعيين مبعوث شخصي للصحراء الغربية.
ويشار إلى أنّ 27 عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي، سبق وأن طالبوا، منتصف شهر فيفري من العام الماضي، الرئيس جو بايدن بالتراجع عن إعلان ترامب، وإعادة واشنطن إلى التزامها بإجراء استفتاء لتقرير مصير الشعب الصّحراوي.
دي ميستورا والحمل الثّقيل
 من التّطوّرات الهامة التي شهدتها القضية الصحراوية في الأشهر الماضية، هو تعيين مبعوث أممي جديد لملء الفراغ الذي تركه الألماني هورست كوهلر الذي استقال في 22 ماي 2019 دون أن تحقّق مهمّته أي اختراق يكسّر الجمود، الذي يطغى على النزاع الصحراوي المغربي منذ عقود.
ففي 6 أكتوبر الماضي، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تعيين دي ميستورا مبعوثا له إلى الصحراء الغربية، وقد استبشر الصحراويون خيرا باختيار هذا الدبلوماسي الايطالي، الذي يتمتع بخبرة تزيد عن 40 عاما في الدبلوماسية والشؤون السياسية، وشغل منصب المبعوث الأممي الخاص لسوريا، وعمل ممثلا خاصا للأمين العام لأفغانستان والعراق وجنوب لبنان، ومدير مركز الأمم المتحدة للإعلام في روما.
التفاؤل الصحراوي مدفوع برغبة جامحة في تفعيل اللوائح المرتبطة بتنفيذ تقرير المصير، وليس الاكتفاء بهدر الوقت وقتل القضية بالتقادم، كما يتمسّك الصحراويون بتفعيل دور  (مينورسو)، ودفعها لتنفيذ المهمة التي أنشئت من أجلها وهي تنظيم الاستفتاء، وسبق أن عَيَّنَ غوتيريش، في 27 أوت الماضي، الدبلوماسي الروسي ألكسندر إيفانكو، ممثّلا خاصا له في الصحراء الغربية ورئيسا لبعثة «مينورسو».
وتتمثّل مهام المبعوث الخاص في تحريك المفاوضات بين طرفي النّزاع الصّحراوي، بينما تتعلق مهام الممثل الخاص بتسيير وإدارة عمل البعثة.
انتصارات عسكرية
 بالإضافة إلى الانتصارات السياسية والمكاسب القانونية، أبان الصّحراويون ولا زالوا عن شجاعة كبيرة في ميدان القتال الذي أجبروا على استئنافه في 13 نوفمبر 2020، وبات جدار الذل والعار مقبرة لعساكر الاحتلال المغربي، الذي يتعرّض يوميا لخسائر جسيمة، ويتستّر عليها حتى يداري عجزه.
فمع بداية شهر فيفري الجاري، قتل الجيش الصحراوي عددا كبيرا من ضباط وعساكر الاحتلال، كما تمكّن من تدمير راجمة صواريخ في منطقة الشيظمية بقطاع المحبس.
قد يكون من الصعب الإحاطة بكل المكاسب التي حققتها الجمهورية الصحراوية التي تحتفل بذكرى إعلانها 46، فهي بالفعل كثيرة ومهمّة  بالرغم من السياسة العدوانية والقمع الذي يسلّطه الاحتلال المغربي على الشعب الصحراوي الذي نراه صامدا موحّدا ملتزما بالدفاع عن أرضه، حتى أنّنا نسجّل إقبالا كبيرا من الشباب الصّحراوي.
الصّحراويّون في الطريق الصحيح، وبالرغم من صعوبة المسالك وكثرة العراقيل التي يضعها الاحتلال، فإنّهم سيصلون إلى المبتغى بفضل نضالهم السياسي والعسكري وتضحياتهم الجسام، وتبقى الحقيقة المؤكّدة أنّ كلّ احتلال مصيره الزّوال مهما طال الزمان.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024