الجزائر حلقة محورية في المعادلة السلمية بالمنطقة
يقف الدكتور فريد بن يحي المختص في العلاقات الدولية والدبلوماسية في حديثه مع «الشعب ويكاند» عند التطوّرات الأمنية الخطيرة التي تشهدها منطقة الساحل وغرب إفريقيا مع تزايد الهجمات الدموية وارتفاع قائمة الضحايا، رابطا هذا الوضع المأساوي بصراع النفوذ الذي تشهده هذه المنطقة، مسجّلا بأن المجموعات الدموية، تستمدّ قوتها أساسا من دول كلّ همّها الاستحواذ على ثروات المنطقة مثل البترول في نيجيريا من خلال دعم جماعة «بوكوحرام» الدموية.
كما يجيب الدكتور بن يحي عن العديد من الأسئلة، بما فيها أنجع طريقة لمحاربة الإرهاب، وما يتردّد عن إمكانية مفاوضة بعض المجموعات المسلّحة، ثم الدور الجزائري في المنطقة.
«الشعب ويكاند»: أعلنت نيجيريا قبل أيام عن استسلام أزيد من 6 آلاف إرهابي من «بوكو حرام». ماذا تعني هذه الخطوة، خاصة وهي تأتي أياما بعد عرض أبوجا العفو عن دمويي الحركة الإرهابية المستسلمين؟
د. فريد بن يحي: أكيد، عندما نتحدث عن «بوكو حرام» فالأمر يتعلق بمنظمة إرهابية معروفة تنشط في شمال نيجيريا وفي الساحل الإفريقي ككل، وقد ضربت في العمق منطقة غرب إفريقيا، خاصة في نيجيريا، وبوركينافاسو، وتشاد ومالي، يعني في عديد من دول إفريقيا، وبحسب المعطيات المتوفرة لدينا فإن وراء نشأة هذا التنظيم دول رأسمالية هدفها السيطرة على البترول في نيجيريا خاصة، والثروات في الساحل الإفريقي عامة، أما بخصوص الأخبار التي راجت حول استسلام بعض الإرهابيين في الفترة الأخيرة، فهذا يعني أن الذين يقفون وراء هذا التنظيم ممكن قد تفاوضوا مع الحكومة النيجيرية لوضع حد لهذه المنظمة مقابل الحصول على الأموال بالدرجة الأولى، ومنح في نفس الوقت الدول الكبرى امتيازات تجارية، وبطبيعة الحال فإن هذه الدول لها أهداف أخرى تكمن في وضع حاجز للنفوذ الصيني و الروسي في المنطقة، لذلك نجد أن هذه الصفقة غير بريئة، فهي صفقة لها مخططات اقتصادية تعود بالفائدة على الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
هل يعني قرار عدم متابعة إرهابيي «بوكو حرام « أن نيجيريا فشلت في هزم هذه الحركة الدموية، وتريد أن تتجنب شرها بعيدا عن السلاح؟
لما نشاهد «بوكو حرام» الإرهابية لعدة سنوات تنشط في نيجيريا وارتكابها لعدة جرائم من اختطاف للبنات القصر، وقتل المواطنين في عدة دول إفريقية، إلى جانب «مقايضة» الرهائن مقابل الأموال، فهذا يعني أن الحكومة النيجيرية فشلت في وضع حد لهذا التنظيم الدموي، لهذا لجأت إلى استعمال طرق أخرى على غرار القنوات الدبلوماسية وكذا الحقيبة المالية من أجل التفاوض ودفع الأموال مع دول كبرى لوضع نهاية لهذه المنظمة.
نيجيريا اليوم وقبلها بوركينا فاسو، وتشاد ومالي، كلها دول تعاني من الإرهاب، وقررت مؤخرا أن تفاوض المجموعات الإرهابية لأجل تحقيق الأمن والاستقرار، كيف تقرأون هذا التغيير في أسلوب المواجهة وهل يعوّض الحوار خيار السلاح الذي أثبت فشله؟
كما سبق وأن ذكرت، فإن المجموعات الإرهابية المعروفة في العالم، أغلبها ممولة من بعض الدول، أما الغرب، فهو لا يعطي الأموال ولكن في المقابل يقدّم المعلومات والتدريبات والتقنيات الحربية. الأموال تمنحها دول معيّنة وذلك لوضع حد لهذه الجماعات الدموية في المناطق الإفريقية، قصد السيطرة على دول هذه المناطق، كونها تمثل مناطق المستقبل الاقتصادي العالمي، وأيضا قصد إبعاد المنافسة الصينية الروسية، خاصة وأن آخر الدراسات تؤكد أن أوروبا وبعض دول شمال أمريكا ستتحول إلى جليد بفعل التغير المناخيّ، في المقابل فإن المناطق التي ستتوفر فيها المياه ستكون في الجنوب، لذلك فإن هدفهم حاليا هو السيطرة على الثروات وأخذ الأسواق.
قرار التفاوض مع الإرهابيين سيكون له انعكاس على التدخلات العسكرية الاجنبية، ألا تكون دول الساحل الإفريقي يئست من هذه التدخلات وقررت حل مشكلتها بمعرفتها؟
لا أعتقد أن هذه الدول قادرة على حل مشاكلها. ربما قد اقترحت هذه الخطوط العريضة من خلال قنوات سرية ما بين الدول الكبرى والإفريقية، فالدول الكبرى تسعى دائما للسيطرة على الثروات الطبيعية وأخذها بثمن زهيد والعمل في نفس الوقت على وضع حاجز للوجود الصيني في المنطقة.
المقاربة العسكرية فشلت في دحر الإرهاب بمنطقة غرب إفريقيا، وهناك من يراهن على مقاربات أخرى وعلى التنمية لتحسين الوضع الأمني، ما تعليقكم؟
إفريقيا ليست لها جيوش كبيرة هذا شيء معروف، فهي تتخبط في انكماش اقتصادي وكساد كبير، لذلك أعتقد أن هذه الدول ليست لها حلول أخرى سوى التفاوض وربما وضع خريطة طريق جديدة مع التركيز نوعا ما على التنمية والعمل على محاربة الهجرة السرية.
ما قولكم حول أفرقة الحرب على الإرهاب، ولماذا فشلت مجموعة «ساحل 5» في القيام بدورها؟
أعتقد أن مجموعة «ساحل 5» لم تقم بدور كبير باعتبار أن كل بلد له أهدافه الخاصة، بمعنى آخر إنها ليست مجموعة منسجمة، فأوروبا مثلا تريد وضع خطة للحد من الهجرة غير شرعية القادمة من إفريقيا وكذلك تريد وضع خطة للاستثمارات في شمال إفريقيا بينما يريدون من دول الساحل لعب دور الدركي في الجنوب، وهذا غير ممكن.
يسجل في الآونة الأخيرة تصعيدا للهجمات الإرهابية بالساحل، بماذا تفسرون ذلك؟
أعتقد أن الهجمات الإرهابية المسجلة في الآونة الأخيرة بالساحل، ترمي للضغط على بعض الحكومات الموجودة الآن، فهي عبارة عن مرتدات من قبل هذه الجماعات من أجل التفاوض من موقف قوة والحصول على المنشود وتبقى الشعوب الإفريقية هي من تدفع الثمن.
هناك من يتخوّف من انتقال المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا إلى الساحل، كيف يمكن تحقيق معادلة «تحرير ليبيا من المرتزقة وضمان عدم تنقلهم إلى الجوار الجنوبي في ذات الوقت»؟
إذا كانت المجموعات الإرهابية في إفريقيا وضعت السلاح وشرعت في التفاوض، فإن المجموعات الإرهابية الموجودة في ليبيا هم مرتزقة، ومع إعادة تنظيم الجيش الليبي ممكن أن تتلقى هذه الجماعات ضربات قوية وهو ما يعني أن نهايتها ستكون حتمية في المنطقة، لذلك فإن تنقل هذه الجماعات من ليبيا نحو إفريقيا سيكون صعبا، وحسب رأيي فإن بإجراء الانتخابات المقررة نهاية العام في ليبيا ومع انتهاء التمويل ستنتهي هذه الجماعات تدريجياً.
لا شك أن التحدّيات والتطورات التي تشهدها منطقة غرب إفريقيا عموما والساحل خصوصا تثير اهتمام الجزائر وحرصها على الانخراط في دعم جهود إقرار الأمن والاستقرار، ما تقييمكم للدور الجزائري في المنطقة وكيف يواجه التحديات التي تعترضه؟
تعاملت الجزائر مع كل التحديات التي تشهدها المنطقة بالحكمة وبالدبلوماسية أكثر، ربما ربحنا بعض الأشواط كما أننا خسرنا البعض الآخر، لكن الآن، الدول الكبرى أو الدول التي تفرض نفسها لا تعتمد فقط على الدبلوماسية، فهي تضغط وتستعمل القوة في الميدان حتى تحقق ما تريده، وهو نفس النهج التي تتبناه الجماعات الإرهابية التي تستعمل الآن القوة في الميدان، نفس الشيء بالنسبة للدول إذا أرادت أن تحارب مجموعات معينة، فلابد عليها أن تستعمل مجموعاتها العسكرية والإستخباراتية لضرب بعض المعاقل حتى تتفاوض من منطلق قوة، فالعالم الآن مبني على القوة والمصالح.
في الختام، كيف ترون مستقبل الوضع في الساحل الإفريقي؟
الوضع في الساحل الإفريقي غير واضح المعالم الآن، بحسب المعطيات المتوفرة لدينا هناك احتمال دخول الولايات المتحدة الأمريكية بقوة في المنطقة إلى جانب تواجد دول أخرى، وهو ما يوحي باندلاع حرب تجارية بالمنطقة أكثر من خلال التخطيط للاستثمارات الكبرى في عدة دول إفريقيا على غرار موريتانيا، بوركينافاسو ونيجيريا في انتظار حل الأزمة الليبية والمالية، وهو ما يدل على أن البعد الاقتصادي سيكون أكثر من البعد الأمني في المستقبل، أقول هذا بتحفظ لأن المعطيات قد تختلف في حال وجود انقلابات عسكرية وممكن أنها تستمر في الميدان لدفع الدول الكبرى للخروج من زوبعة الإرهاب والدخول في الأمور الاقتصادية.