السياسة الخارجية الأمريكية والعدّ التنازلي

التحالفات لفرض التموقع الجيواستراتيجي

ف- بودريش

حمل بايدن بعد تربعه على الحكم ورقة طريق وأجندة مغايرة لتلك التي طبقها منافسه السابق ترامب، وعاد إلى نقطة البداية ليعيد تصحيح التناقضات وقلب الاتجاهات المعاكسة التي فرضها ترامب على السياسة الخارجية الأمريكية حيث عانى فيها شركاء واشنطن ومن بينهم الأكثر قربا لبلد العم سام في القارة العجوز، وبايدن منذ تسلمه الحكم يحاول إسكات صوت الحروب والجنوح إلى القوانين والشرعية الدولية، وعلى سبيل المثال إسكات رحى الحرب في سوريا وليبيا وتخفيض تواجد بلده العسكري في منطقة الشرق الاوسط.
من أهم المؤشرات التي تؤكد أن بايدن سيحمل تغييرا كبيرا وانفراجا محسوسا في السياسة الخارجية، لقائه بالرئيس الروسي بوتين بعد أشهر قليلة على انتخابه على رأس أقوى دولة، وبالتالي قد نشهد بداية طي المسافات في العلاقات بين أهم وأقوى دولتين، وجاء هذا اللقاء بطلب من البيت في دولة محايدة خلفت ارتياح دولي في أن يتبدد الصراع ويحول إلى تعاون خاصة على صعيد حل القضايا الشائكة في المنطقة العربية والشرق الأوسط وحيث تنتشر بؤر التوتر، لأنه ينظر بالكثير من التدقيق والاستشراف إلى أن عقيدة بايدن الناشئة عن وضع حد “للحروب اللانهائية” وحماية العمال الأمريكيين من المنافسة الصينية ستتطلب التزامات اقتصادية وعسكرية جماعية من دول الاتحاد الأوروبي التي لا تزال مؤهلة بهدف الوفاء بها.
إذا لن يكون هناك أي صدام بين الدول المرشحة لقيادة العالم ومن بينها الصين وروسيا وكذا أمريكا، لأن ملامح تجسده غائبة بالنظر إلى قوّة تقاطع المصالح الإستراتيجية وتداخلها بشكل يجعل من المستحيل  أن ينجح أي طرف في الحسم في أي معركة، دون أن يخلف وراءه دمارا كارثيا للبشرية، علما أن قناعة سياسة إدارة بايدن تجاه الصين ترتكز على معادلة محددة، تتمثل في “مواجهة الصين إن كان ذلك ضروريا والتعاون معها إن كان التعاون ممكناً”.
وبخصوص الامتحان الذي سيخفف من الصراع في منطقة الشرق الأوسط ملف الاتفاق النووي المتواصل بفيينا مع إيران، وبمشاركة دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين حيث ضرب موعدا لجولة سادسة، وإن كان في السابق قد حدد نهاية شهر جوان الجاري كموعد للحسم في هذا الملف الحساس، ولم تخف إيران أن الجولة المقبلة من مفاوضات فيينا بشأن الاتفاق النووي، يمكن أن تكون الجولة النهائية، واعترفت بأنها لن تقبل شروطا إضافية، وبالموازاة مع ذلك لن تتراجع عن حقوقها وفق البرنامج النووي، من جهته مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان يعتقد أن المسافة لا تزال طويلة في مسار مفاوضات فيينا.
خلاصة القول أن السياسة الخارجية الأمريكية تتجه نحو العد التنازلي بعد أن قررت خفض تواجدها العسكري بالعالم، وتحتاج إلى مراجعة وسط عالم يتحول اقتصاديا وطبيا وعلميا، وستكون ورقة التقارب حتى مع الخصوم والغرماء توفر الكثير من العناء وتبعد القطيعة التي تضر أكثر مما تنفع، وبالتالي إحياء التحالفات لفرض التموقع الجيو استراتيجي الذي مازالت تسهر وتكابد للحفاظ فيه على مكانتها الرائدة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024