تعتمـــد علــى الجــانب الاستخبـاراتي في مكافحة الإرهاب بالساحل

نجاح الإستراتيجيـة الأمريكيـة مرهون بتبادل المعلومـات مع دول الميدان

حمزة محصول

تدرك الولايات المتحدة الأمريكية، الأهمية الاقتصادية والإستراتيجية للقارة الإفريقية، كما تدرك أيضا أن دور الريادة في صناعة السياسية والأمن والتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان تتقنه فرنسا المستعمر القديم، ولا تظهر أمامها بصفة المبادر إلى الفعل ورد الفعل حتى عندما يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب الذي تخوض حربا «أزلية» ضده في كامل ربوع العالم.
بين أمريكا وفرنسا، قواسم مشتركة تميّز السياسة الخارجية لكل منهما. فهما يرفعان معا وبدعم المجموعة الدولية شعار مكافحة الإرهاب، وينظران إلى كل تنظيم مسلح، متطرف وخارج عن القانون في أية دولة،على أنه تهديد مباشر لأمنهما القومي ومصالحهما الحيوية. قد يختلفان تكتيكيا لكنهما يتفقان على الهدف الذي يتجاوز محاربة الإرهاب ويتعداه إلى السيطرة وتعزيز النفوذ والتحكم في خيوط كل أزمة وهذه واحدة من النقاط الأخرى التي يلتقيان فيها.
ومن القواسم المشتركة إلى التقاسم المتفق عليه، والذي يعني تبادل الأدوار الرئيسية والثانوية في بؤر التوتر، وتوزيع مهام الدعم والإسناد ومن الأمثلة الحية على دعم فرنسا للولايات المتحدة التدخل في أفغانستان، ومساندة الأخيرة للتدخل العسكري لـ»دركي إفريقيا» في الساحل وإفريقيا الوسطى، ويعملان رفقة بريطانيا على مساعدة حكومة نيجيريا في العثور على الفتيات المختطفات من طرف جماعة بوكو حرام. ويمكن التدليل على هذا بعبارة «الشرق الأوسط لأمريكا وإفريقيا لفرنسا».
وما ينبغي الإشارة إليه، هو أن التفاهم والتقارب بين الدولتين الكبيرتين، لا يصل أبدا إلى التجانس، ولكل منهما رؤيته وإستراتيجيته للمحافظة على مصالحه ونفوذه، فكما لفرنسا مصالح وأهداف في القارة الإفريقية، توجد مصالح هامة أيضا للولايات المتحدة الأمريكية لا تريد التفريط فيها وتعمل على بلوغها بالاعتماد على عتادها العسكري المتطور وبالتنسيق مع شركاء المنطقة.
وفيما تبدو الأهداف الأمنية والاقتصادية لفرنسا في الساحل الإفريقي واضحة- فعينها على الإرهاب وعين أخرى على حوض «تاودني» أقصى شمال مالي الغني بالنفط والغاز- يشكل الأمن الغاية الأولى للولايات المتحدة، فقد أصبح أولوية سياستها الخارجية منذ هجمات الـ11 سيتمبر 2001.
لقد اختار البيت الأبيض إستراتيجية خاصة لمكافحة الإرهاب في شمال إفريقيا والساحل، تجلت عام 2007 عند إنشاء قادة «أفريكوم» بمدينة فرانكفورت الألمانية التي تزامن إنشاؤها مع تصاعد خطر الجماعات الإرهابية في المنطقة. وظلّ يبحث منذ ذلك الوقت على قدم عسكرية في دول المنطقة لمراقبة الأوضاع عن كثب والتحكم فيها، فالاستراتيجية الأمريكية تختلف عن نظيرتها الفرنسية التي تتسم بالضجيج واللجوء المتسرع للتدخل العسكري، وتشبه تماما هدوء طائرات الاستطلاع (الدرونز) التي تقلع بشكل دوري من النيجر لرصد تحركات التنظيمات الإرهابية وجمع أقصى قدر من المعلومات، ناهيك عن الحضور الاستخبارتي الذي يتخذ من محلات بيع البيتزا والهواتف في موريتانيا وبوركينافاسو مراكز عمل مثلما كشفت عنه صحيفة «الواشنطن بوست» الأمريكية العام الماضي.
ويدخل كل هذا في إطار سياسة «محاربة الإرهاب عن بعد» التي تبناها الرئيس باراك أوباما منذ وصوله للبيت الأبيض، كاستجابة للرأي العام الداخلي المهتم بوضعه الاقتصادي، والرافض بشكل مطلق مقتل مزيد من الجنود الأمريكيين.
الحضور الأمريكي الإستخباراتي الممتد من شمال إلى غرب إفريقيا، نابع من الأهمية التي تكتسيها المنطقة من النواحي الاقتصادية والموارد الطاقوية الهائلة، وكذا اليقين من عدم قدرة فرنسا لوحدها مواجهة الأخطار المحدقة، فيما تعتقد دول الميدان أن تدخلها ضاعف من المخاطر ولم يفضي إلى حل.
وكانت الولايات المتحدة، أول من دفع ضريبة التدخل العسكري الذي دعت إليه فرنسا في عهد ساركوزي عام 2011 في ليبيا، بعد مقتل سفيرها و3 من الدبلوماسيين على أيدي تنظيم القاعدة الإرهابي، وتبع ذلك تشكيلها لفرقة التدخل السريع في غرب إفريقيا التي اتخذت السنة الفارطة من مدينة إشبيلية الإسبانية مقرا لها. ولم يتوان البانتغون في توجيه نقد ضمني لفرنسا حينما كشف أن ما قميته 80 مليون أورو دفعت كفدية للجماعات الإرهابية لتحرير الرهائن، ويكشف هذا المبلغ حجم الموارد التي تحصّـلها هذه الجماعات وكيف توظّف في اقتناء الأسلحة وتنفيذ عمليات أخرى.
إن الرؤية الأمريكية لمكافحة الإرهاب تعتمد على جمع المعلومات والاكتفاء بالمراقبة عن بعد وحققت بها نجاحات عديدة فهي تعتبر أول من اهتم بتنظيم بوكو حرام في نيجيريا وكانت المبادرة الأولى لرصد مبلغ مالي لمن يقبض على زعيمه عبد القادر شيكو، فيما يخص التعاون العسكري مع الدول، أعلن باراك أوباما الأربعاء الماضي، على مواصلة الاعتماد على الطائرات بدون طيار، وتدريب وتكوين القوات الخاصة للدول التي تعاني من الأزمات، وهي «مالي، موريتانيا، النيجر وليبيا».
ويبقى النجاح الفعلي للإستراتيجية الأمريكية، منوطا بالتبادل الناجع للمعلومات والتقارير الأمنية مع دول رائدة في مكافحة الإرهاب خاصة الجزائر القادرة على تأمين حدودها والمساهمة أكثر من غيرها في التصدي للظاهرة، ولا بد من رفع التعاون الأمني معها إلى أعلى مستوى.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024