أمام المتغيرات الدولية المتسارعة

عدم الانحياز ترافع لإصلاح الأمم المتحدة

فرضت التغيرات الدولية والتحديات التي يشهدها العالم طيلة العقدين الماضيين، مطالبة دولية ملحة لإصلاح الهيئات الأممية، على رأسها مجلس الأمن الدولي، بما يخدم هذه التطورات وبات هذا أحد المطالب الملحة لدول عدم الانحياز التي تندد بازدواجية المعايير في قرارات الهيئة التي تضطلع بدور محوري في قضايا الأمن والسلم الدوليين.

فالمجلس الذي يحتفل، قريبا، بمرور 70 سنة على إنشائه، يضم 15 عضوا، خمس دول فقط دائمة العضوية (الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا والصين) ووحدها هي التي تملك حق النقض (الفيتو) لمنع إصدار أي قرار يتعارض مع “مصالحها ومطامعها”، فيما تبقى باقي دول العالم لا تحظى “بتمثيل عادل” في المجلس.
ومن ثم تصاعدت المطالب بتمثيل للوطن العربي والأمة الإسلامية وقارة إفريقيا وأمريكا اللاتينية التي تمثل مجتمعة تقريبا نصف الكرة الأرضية وليس لها ممثل دائم في مجلس الأمن، بالرغم من أن غالبية جدول أعمال المجلس تتشكل من قضايا هذه الدول.
 
دمقرطة الهيئات الدولية وتوسيع تمثيل الدول النامية
 
كانت حركة عدم الانحياز المشكلة من 117 دولة، السبّاقة للمطالبة وبإلحاح بإعادة النظر في المنظمة الدولية وهو ما ظهر جليا خلال قمتها المنعقدة في أوت 2012 في طهران (إيران)، حيث شددت الحركة على ضرورة أن تكون الهيئات الدولية “أكثر ديمقراطية وتمثيلا لكل دول العالم”.
وأبرزت الحركة في بيانها الختامي للقمة، أن الهيكل الدولي الحالي لصنع القرار في مجال السلم والأمن هو “الأكثر تهالكا وقِدَماً” وهو ما يتسبب في “إخفاق” السلام الدولي في التصدي للتحديات العالمية الحالية، داعية إلى ضرورة “دعم وتحديث” الأمم المتحدة من خلال تنشيط الجمعية العامة بما يشمل مجال السلم والأمن الدوليين وإعادة هيكلة مجلس الأمن لكي يعكس حقائق عالم اليوم.
كما أكدت دول الحركة على ضرورة العمل على عكس الأهمية المتزايدة للدول النامية في الهياكل والأجهزة الدولية المختصة بصنع القرار وذلك من خلال منح الدول النامية فرصة أكبر لإسماع صوتها في الهيئة، من خلال مشاركة أوسع في المؤسسات الرئيسية التي تسعى إلى تنسيق السياسات عبر المستوى الدولي.
ولم تكتف الحركة بهذا القدر من المطالبات، بل واصلت تأكيدها على موقفها، السنة الماضية، على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، السيد معتز احمدين خليل، الذي دعا إلى ضرورة “إجراء عملية إصلاح شفافة للمجلس تشمل مراجعة حق الفيتو”، كما طالب “ليكون لكل من الدول العربية والإفريقية مقعد دائم في المجلس”.
أما الجزائرا باعتبارها “عضوا مؤثرا” في الحركة، دعمت مرارا وتكرارا هذه الفكرة. وخلال اجتماع وزراء الخارجية لدول عدم الانحياز، التي انعقدت على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة السنة الماضية، فقد أبرز وزير خارجيتها، السيد رمطان لعمامرة، أن الحركة “لابد أن تعمل على الحفاظ وتقوية الدور المركزي للأمم المتحدة في النظام متعدد الأطراف من خلال التأكيد على ضرورة إصلاح الجمعية العامة ومجلس الأمن الأمميين”.
ومن هذا المنطلق، أكدت الجزائر على أهمية إعادة التوازن لصالح أحسن تمثيل ومشاركة لدول الجنوب، سيما الأفارقة الذين يمثلون أكبر عدد من الدول الأعضاء في الجمعية العامة.
 
إفريقيا تعول على حركة عدم الانحياز للظفر بمقعدين دائمين
 
أما الدول الإفريقية التي تعد الأكثر تمثيلا في هذه الهيئة، فقد اعتبرت مسألة إصلاح المجلس والتمثيل العادل فيه “إحدى الركائز الأساسية لعملية الإصلاح الشامل للأمم المتحدة”، مطالبة بضرورة إلغاء حق النقض (الفيتو) أو منح (القارة الإفريقية) مقعدين دائمين بنفس حقوق البلدان الأعضاء الأخرى، فضلا عن المقاعد الثلاثة غير الدائمة”.
وندد في هذا الشأن، مفوض السلم والأمن للاتحاد الإفريقي، إسماعيل شرقي، باللامساواة في التمثيل الدولي في هذه الهيئة الأممية، وقال على هامش الاجتماع رفيع المستوى حول السلم والأمن في إفريقيا السنة الماضية، إنه “من غير المنصف أن لا تكون إفريقيا ممثلة في هذه الهيئة لاتخاذ القرار، في الوقت الذي تضم حاليا أكبر عدد من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة”.
ولهذا الغرض، دعا الممثل الإفريقي إلى توسيع مجلس الأمن”، مشيرا إلى أن أفريقيا تطالب “إما بإلغاء حق النقض (الفيتو) وإما منح (القارة الإفريقية) مقعدين دائمين بنفس حقوق البلدان الأعضاء الأخرى، فضلا عن المقاعد الثلاثة غير الدائمة”.
وأضاف، “إننا نبذل في هذا الصدد جهودا من أجل السماح لإفريقيا بممارسة حقها بمجلس الأمن، كما نسعى إلى تحسيس الآخرين بأننا نريد حلولا إفريقية للمشاكل الأفريقية”.
كما ذكر وزير الخارجية الجزائري في السياق ذاته، بأن 60 من المئة من جدول أعمال مجلس الأمن الأممي يتشكل من أزمات ونزاعات تمس أساسا إفريقيا، داعيا إلى التنسيق “الوطيد” بين الاتحاد الإفريقي والبلدان الممثلة للقارة في المجلس.
وأكد في هذا الشأن “أن الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة في مجال حفظ السلام والأمن، تخص أساسا القارة الإفريقية، حيث ما يقارب (2 / 3) من مهام حفظ السلم للأمم المتحدة تبذل في إفريقيا وحوالي 60000 من القبعات الزرق منتشرة عبر القارة”.
يبقى إصلاح هيئات الأمم المتحدة، مطلبا دوليا ولا يقتصر فقط على دول عدم الانحياز، إذ أن هناك إجماع شبه دولي حتى من قبل الدول الكبرى، خصوصا الدول الخمس دائمة العضوية، أصبحت، اليوم، تساير هذا الطرح، وعبّرت هي الأخرى في عدة مناسبات عن عزمها “المضي قُدُما على درب إصلاح شامل لمنظومة الأمم المتحدة لمواكبة تحديات القرن”، بما في ذلك إصلاح مجلس الأمن.
وبالرغم من هذا الإجماع، غير أن الاختلاف يظل “قائما” حول طبيعة هذا الإصلاح وكيفيته بين بعض الدول الكبرى والدول النامية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024