تعرف ليبيا تصاعدا في حدة التوتر بين الأطراف المتنازعة وتسيطر على المشهد السياسي مظاهرات حاشدة وسط العاصمة طرابلس منذ أسبوع تقريبا نتيجة لتردي الأوضاع الإقتصادية والاجتماعية، وهو ما يؤكده الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الليبي عبد العزيز الرواف في حوار لـ»الشعب»، موضحا أن كل مبادرات ومساعي الجهود الدولية لحل الأزمة فشلت أمام استمرار إختلاف طرفي النزاع، بما فيها مخرجات مؤتمر برلين. ويؤيد الكاتب جهود مجلس النواب والجيش الليبي في تسوية الأزمة.
وتؤكد جريدة الشعب تمسكها بالرأي والرأي الآخر وستنشر آراء ليبية أخرى.
الشعب: ما هي آخر المستجدات على الأرض الليبية؟
ما يمكن الإشارة إليه بصدد آخر المستجدات هو انطلاق المظاهرات في العاصمة الليبية طرابلس ضد تفشي الفساد وصعوبة الحياة للمواطن من انعدام لوسائل الحياة والأمن، وكذلك قمع هذه المظاهرات بواسطة مسلحين، وهي مليشيا تسمى مليشيا «النواصي» ذات أيدلوجيا إسلاموية متشددة، كما أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تفاقم مستمر منذ أسابيع ما قد يؤدي إلى تصاعد حدة التوتر تزامنا مع انتشار الميليشيات المسلحة ووصل الأمر إلى إطلاق النار على المتظاهرين السلميين.
كيف تقيمون الوضع العام في ليبيا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا بعد إعلان وقف إطلاق النار من حكومة الوفاق ومجلس النواب الأسبوع الماضي؟
الوضع في مرحلة الهدنة منذ انسحاب قوات الجيش من تخوم العاصمة طرابلس والعودة إلى خط (4-4) وهناك لبس بخصوص هذا الموضوع من جانب وسائل إعلام عربية ودولية، فهي تكرر أخبارا مغلوطة بتناول انسحاب الجيش وفق اتفاق مع دول داعمة له، بأنه سيطرة لقوات الوفاق على غرب البلاد. لذلك أتمنى عبر صحيفتكم «الشعب» أن يتم تصحيح هذه المعلومة لقرائها ومتابعيها وهي أن الجيش انسحب تاركا الفرصة للحوار السياسي لإيجاد حل سلمي.
أما بخصوص الاتفاق المزمع بحسب بيان مجلس النواب وحكومة الوفاق، فما يترسًّم على أرض الواقع من معطيات يؤكد بأن حكومة الوفاق لا تستطيع الإيفاء بأي تعهد، لأنها لا تسيطر على شيء في المناطق المحسوبة تحت حكمها فالعاصمة طرابلس مقسمة إلى مناطق نفوذ، جزء منها تحت سيطرة مليشيات الزاوية في غرب العاصمة، وجزء تحت سيطرة مليشيات مؤدلجة متشددة مثل النواصي والردع في أحياء بوسليم وتاجوراء، وجزء تحت سيطرة مليشيات مصراته ومتمثل في الجزء الشرقي من العاصمة، إضافة إلى عدة جماعات مسلحة تتواجد في عدة شوارع وسط العاصمة.
الجزائر تقوم بجهود للوقوف إلى جانب ليبيا لحل الأزمة السياسية، كيف تقيمون دورها ودور الدول المجاورة بشكل عام؟
حتى الآن لا نستطيع أن نُقيم الدور الجزائري، فما يتضح من تصريحات يأتي في عموم الأشياء ووفق البروتوكولات السياسية، ما نأمله من الجزائر أن تجعل اتصالها بكافة الأطراف، وأن لا تركز فقط على شخصيات حكومة الوفاق فليبيا مساحة شاسعة، على غرار إقليم برقة أكبر مساحة جغرافية في ليبيا وكذلك الجنوب المحاذي للجزائر يشكل جزءا مهما في ليبيا الذي يقع تحت سيطرة حكومة البرلمان وتؤمنها قوات الجيش الوطني، لذلك أي مبادرة لا تتواصل مع كافة الأطراف سينقصها الكثير، أما دور دول الجوار مجرد تصريحات وبيانات تتمنى الخير لليبيا، وهو أمر جيد، غير أن الأمنيات الطيبة وحدها لا تكفي.
مؤتمر برلين وضع أرضية لحل الأزمة وتخفيف التوتر بين الأطراف المتنازعة، لكن سرعان ما تصاعدت حدة التوتر في الآونة الأخيرة، ما أسباب ذلك؟
هناك تفاهمات عقدت سابقا حتى قبل مؤتمر برلين مثل أبوظبي وموسكو، لكن سبب عودة التوتر هو الإخلال بهذه التفاهمات، مثلا اجتمع في أبو ظبي المشير خليفة حفتر وفائز السراج وكان الاتفاق يقضي بدخول الجيش إلى طرابلس بداية عام 2019 لتأمين حكومة الوفاق، ثم الشروع في انتخابات برلمانية ورئاسية، وعندما عاد السراج إلى طرابلس، لم ينفذ ما اتفق عليه، والأمر ينسحب أيضا على اتفاق برلين، وكذلك أي اتفاق لاحق مادام السلاح منتشرا في العاصمة بين التشكيلات المختلفة.
ما مدى التزام الأطراف المتنازعة بمخرجات مؤتمر برلين ؟
بالنسبة للبرلمان الليبي وقيادة الجيش الوطني أعلنوا أكثر من مرة التزامهم بهذه المخرجات وأعلن رئيس البرلمان عقيلة صالح وقائد الجيش الليبي المشير حفتر في أكثر من مناسبة، ضرورة تفعيل (إعلان القاهرة) السابق في عام 2018 و»مخرجات برلين» لإيجاد تسوية سياسية عادلة وفقا للثوابت الوطنية القاضية برفض العدوان الخارجي وإنهاء المليشيات وفوضى السلاح وفرض سيادة القانون والمؤسسات. وحاليا الجيش انسحب كبادرة لحسن النوايا ورغم هذا لم تحصل خطوات جادة في هذا الأمر لإنهاء حالة التوتر بين كل الأطراف.
الأمم المتحدة تقوم بجهود لحل الأزمة لكن استمرار الصراع يؤكد أن تلك الجهود فشلت، ما رأيك ؟
الليبيون لا يثقون في الأمم المتحدة ولا في جهودها، فهي أضعف حتى من أن تدين استهداف متظاهرين، وربما هي تسعى فقط لإطالة الأزمة، لأنها لم تتعامل بحزم مع وجود قيادات تعمل ضد مصالح البلاد بشكل غير مباشر وهو ما يزيد من حدة التوتر، لعدم التماس نية حسنة من طرف الهيئة الأممية لإنهاء النزاع بشكل استعجالي منذ تدهور الأوضاع في البلاد، كما أنه يؤكد غياب استراتيجية واضحة لتقريب الرؤى بين الأطراف المتنازعة أو حتى تلبية المطالب الشعبية المرفوعة ضد استشراء الفساد وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
حكومة الوفاق الوطني أعلنت تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية بداية العام القادم هل تعتقد أن هذا كاف لإنهاء الأزمة وبداية صفحة جديدة؟
أي دعوة لانتخابات جديدة والعاصمة تقع تحت سيطرة المليشيات والعناصر المتشددة هو أمر غير واقعي، وربما أراد السراج بهذا الإعلان تخفيف حدة الضغط من بعض الحلفاء داخليا وخارجيا، وهو إشارة واضحة إلى أن النيات الحسنة غير متوفرة للذهاب نحو مرحلة جديدة في تاريخ البلاد ولكن تبقى كل القرارات شبه حبر على ورق مع استمرار الاشتباكات المسجلة في البلاد لاسيما العاصمة طرابس، وهو أمر مرفوض تماما كما أنه لم ولن يؤدي إلى طريق الحل بتنظيم انتخابات تنهي حالة اللا استقرار في ليبيا.