تشهد فرنسا اليوم الخميس إضرابات توصف بأنها الأضخم في تاريخ البلاد احتجاجاً على سياسات إصلاح قانون التقاعد التي تتخذها الحكومة، ما قد يشكل تحديا كبيرا لها ولما قد يترتب عليه من عواقب وخيمة على الاقتصاد الذي يعاني من صدمات الاحتجاجات الاجتماعية لما يسمى ب«السترات الصفراء» المتواصلة منذ أكثر من عام.
وأعلنت عدة قطاعات حيوية تعليق أنشطتها اليوم، لاسيما وسائل النقل السكك الحديدية و مترو الأنفاق، والتعليم و القضاء و الصحة والطاقة، والامن وعمال النظافة، استجابة لدعوات أطلقها الاتحاد العام للعمال، والقوة العاملة الفرنسية، والاتحاد النقابي الوحدوي المعني بالمهن التعليمية، وذلك بالتزامن مع دعوات لناشطين من حركة «السترات الصفراء»، رفضا لقانون إصلاح التقاعد.
ودعا الاتحاد العام للعمال في فرنسا والقوة العاملة في البلاد إلى إضراب «لأجل غير مسمى» ابتداء من 5 ديسمبر في النقل البري على الطرق للمسافرين والبضائع، والمسعفين، وسيارات الأجرة.
إضرابات مفتوحة
وتوعدت نقابات هيئة النقل المستقلة في باريس بتعبئة «أكثر قوة» من إضرابات 13 سبتمبر الماضي التي كانت قد توقفت تقريباً جميع وسائل النقل عن باريس فيها، لكن هذه المرة يذهبون الى أبعد من ذلك، حيث يطالبون بإضراب «غير محدود».
في ظل حركة الإضرابات التي يشهدها القطاع الصحي منذ نحو 8 أشهر لموظفي أقسام الطوارئ في المستشفيات الفرنسية، أعلنت نقابات المستشفيات الانضمام إلى الإضراب العام، ولكن تم تغيير اليوم إلى 10 ديسمبر الجاري.
و اعلن مجلس نقابة المحامين الوطني، من جهته، اليوم،يوم «موت العدالة»، حيث يريد المحامون الدفاع عن «نظامهم المستقل» الذي يعمل «بشكل مثالي، ولا يكلف الدولة يورو واحدا» على حد تعبيرهم.
وفيما يتعلق بقطاع التعليم، تشارك معظم نقابات المعلمين لمرحلة التعليم الأساسي البالغ عددهم نحو 900 ألف معلم في الإضراب، وانضمت إليها نقابات المدارس الثانوية للاحتجاج على «هشاشة» نظام التعليم الثانوي على الطلاب. ويتوقع مشاركة 60% من المعلمين في الإضراب في أنحاء فرنسا.
و يثير مشروع قانون التقاعد الذي طرحته حكومة ادوارد فيليب، والذي يطلق عليه قانون «ديلوفوا»، جدلا واسعا واستياء أغلب الفرنسيين»، حيث ينص على إنشاء نظام اشتراكي اجتماعي بالنقاط للحلول محل الاشتراكات السنوية، فضلاً عن فع سن التقاعد الكامل من 62 عاما إلى 64 عاما، مع الإبقاء على السن القانونية 62 لكن يحصل المتقاعد على معاش أقل ويتم تخييره ما بين الانتظار للسن القانوني، أو الحصول على تقاعد غير مكتمل.
«السترات الصفراء» حاضرة بقوة
فرنسا إذن تعيش أجواء مضطربة يشوبها عدم الاستقرار نتيجة الأزمات والقرارات الاقتصادية «غير الموفقة» التي تتخذها الحكومة . فمنذ نوفمبر من العام الماضي، خرج المحتجون إلى الشوارع تتقدمهم حركة «السترات الصفراء» التي باتت رمزا للاحتجاج ورفض تعنت الحكومة، وتمسكها بسياسات اقتصادية يراها الفرنسيون «غير سليمة». و ستكون هذه الحركة الاحتجاجية حاضرة اليوم بقوة في هذه الاضرابات.
و اعترفت فرنسا بان احتجاجات «السترات الصفراء» كبدت اقتصادها البلاد خسائر بـ5.7 مليار دولار. ومن هذا المنظور، حذر بعض الخبراء في الاقتصاد، من استمرار ملامح الشد والجذب بين النقابات العمالية و الحكومة، لما له من آثار بالغة على الاقتصاد الفرنسي.
وأشاروا الى انه بالرغم من توقيع اتفاقيات استثمارية بين فرنسا و الصين بقيمة 15 مليار دولار، لكن مع استمرار الخسائر الاقتصادية «لن تجدي» هذه الاستثمارات في تحسين الوضع الاقتصادي الفرنسي، محذرين من أن تعيش فرنسا في الوقت الراهن أزمة كبيرة قد تقودها الى أزمة 1968 .