استمرار العمليات الارهابية بمالي أمر منتظر

التنميــة والمصالحة خيـار أساســي

حمزة محصول

رغم ما تمرّ به دولة جنوب السودان من أزمة أمنية حالكة، وما تعرفه جمهورية إفريقيا الوسطى من فترة انتقالية صعبة، ظلّت المستجدات الحاصلة في شمال مالي تصنع الحدث وتشكّل مادة دسمة للإعلام الغربي على وجه الخصوص. وليس غريبا أن تحظى المنطقة بهذا القدر من الاهتمام والمتابعة بالنظر إلى قيمتها من ناحية الجغرافيا السياسية، ومن حيث الأهداف الاقتصادية البعيدة المدى.
لاشك أنّ التنظيمات الإرهابية مازالت موجودة على حدود دول الساحل، وتشكّل تهديدا يوميا للأمن والاستقرار، ولا تتوقف عن ابتزاز السكان ومساومة أبنائهم بالأموال التي تحصلها من تجارة المخدرات وبالأسلحة مقابل كسب تعاطفها والعمل لصالحها، مستغلة الوضع الاجتماعي العسير الذي يعرفونه جراء البطالة والفقر وغياب أية آفاق مستقبلية.
ومعروف كذلك أنّ الارهاب يبحث دائما عن الصدى الإعلامي الذي يمثل بالنسبة له هدفا يفوق الغرض من التفجير الانتحاري أو الاغارة على الأبرياء، فإثارة الضجّة والمخاوف والشعور بعدم الاستقرار غايتهم الدائمة. ولوحظ في الأسبوع المنصرم مدى الاهتمام بخبر القضاء على 11 ارهابيا في تمبكتو وإصابة جندي فرنسي إثر اشتباكات عنيفة، وكذا التفجيرين الانتحاريين في مدينة كيدال شمال مالي. وتركّزت زاوية المعالجة على استمرار تواجد المنظمات الإرهابية وهشاشة الوضع الأمني، وهناك من تحدّث عن تكثيف القوات العسكرية الفرنسية وتسليط الضوء على هذا الجانب فقط.
فالأكيد أنّ زحف قوات الايكواس بعدد اجمالي ناهز الـ 6200 جندي، يقودهم 4000 من القوات الخاصة الفرنسية العام الماضي، لم يقضي على الارهاب بشكل نهائي، وما استطاعت فعله هو طرد هذه التنظيمات الدموية من المدن الرئيسية وإعادة سيادة الجمهورية على كامل ترابها الإقليمي. وقد حصل ذلك وتمكّن الرئيس الحالي أبوكر كيتا من تنظيم تجمع بكيدال أثناء الحملة الانتخابية رغم كل ما قيل عن خطورة الوضع هناك، واتضح أن المشكل الأساسي يكمن في الخلاف القائم بين حركة الازواد والسلطة المركزية وبعض الاتهامات المتبادلة، وليس هناك شيء أكثر خطورة من ذلك لأنّه نزاع داخلي يؤدي دوما للفرقة، أما الارهاب فمرفوض من طرف الجميع ولا يدعمه هناك سوى بارونات المخدرات.
ومن الطبيعي أن تتواصل الأعمال الارهابية من حين لآخر لأنّ مغارات وكهوف تمبكتو وجبال ايفوغاس لازالت تخبّئ أعددا معتبرة منهم، ومادامت مصادر التزود بالأسلحة قائمة، فعلى دول الميدان تشديد الرقابة الأمنية على الحدود وتنسيق وتبادل المعلومات عبر كافة الوسائل المتاحة.
وما ينبغي التركيز عليه أكبر هو العمل على آليات أخرى جاء الدور على القيام بها وتطبيقها في أسرع وقت، كالتنمية والتوعية وإحداث المصالحة، وإرساء الجذور العميقة للجمهورية المالية الغنية بمواردها في الشمال، والثرية بتنوعاتها الثقافية والعرقية، ولا تستدعي الحاجة لتضخيم عناصر القاعدة والعصابات أو قطاع الطرق. ثم إن المعطيات الدقيقة عن التحركات الارهابية في المنطقة نادرة، وتتوقّع بعض مراكز الدراسات والبحث الامريكية وجود ما بين 1000 و1500 عنصرا حاليا، ولا يمكنها أن تشكّل تهديدا كبيرا كما كان عليه الحال سنة 2012. ويبرّر وجودهم بسببين رئيسين مترابطين، هما البحث الدائم عن الأموال عبر الاختطافات وانتظار الحصول على أموال الفدية، وفسح الطريق لأطنان المخدرات القادمة من أمريكا اللاتينية والمغرب، والحفاظ على نفسها كعامل توتر لأمن دول الجوار، فتستخدم كأوراق للتموقع في مجال الموارد الطاقوية.
وسبق للأمم المتحدة أن تحدّثت عن استرتيجية مدمجة، تشمل مجموعة من الجهود لإرساء السلم والأمن بمالي، وبعد استعادة الشمال لابد أن يحين الدور على التنمية والحوار، وأن يحظى بكامل الدعم والمساندة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024