الشــاعــر سايــح بغــداد لـ ''الشعب''

إيصال الصورة الصحيحة إلى القارئ أكبر إشكالية يـواجهـها الأديـب

حاورتـه: آمال مرابطي

 الشعر الوطني من الأغراض الحديثة التي نتجت عن تعرض بعض البلدان العربية لتجربة الاستعمار، حيث يصور الشاعر الوطني مدى حبه لبلده وتعلقه به بدعوة الناس إلى الدفاع عن أوطانهم، فضح جرائم المستعمر، والتشهير بسياسته العدائية ودمويته تجاه الشعوب الضعيفة، بالإضافة إلى الإشادة بقيم الحرية، الكرامة، العزة، الإرادة، وزرع الثقة في الشعوب بقدراتها وطاقاتها. للغوص في ثنايا هذا النوع من الكتابات، اقتربت ''الشعب'' من الشاعر بغداد سايح، أحد الأقلام التي نظمت كلمات حول قضايا أوطانها من هموم والدفاع عن حق المستضعفين.

«الشعب»: ما الأشكال الفنية التي تتطرق لها من خلال قصائدك؟

بغداد سايح: القصيدة بناء فنّي جميل قد يتّخذ شكل رسالة أدبيّة تشحنها العاطفة أو تميل إلى دراما معيّنة تحمل هموم الواقع، كما أنها تستطيع أن ترقى إلى شكل روائي سردي شاعريّ فيه لمسة شعريّة، بل يمكنها حتى الخروج ممسرحة بوجود عناصر الحوار و غيرها من ملامح المسرحيّة الشعرية، وكذلك أجدها في شكل يوميات كما فعلت في مذكّرة «النورس المغناوي».
¯  أي صورة تغلب على شعرك؟
¯¯ طبعا الصورة التي يبلورها أي شاعر تتعدّد على حسب اهتماماته المتأقلمة مع واقعه، لهذا لا يمكنني تحديد صورة غالبة على أشعاري، لكنني أحاول من خلال قصيدتي إعطاء صورة جميلة شفّافة واضحة تُحيل القارئ إلى حبّ للحياة رغم سوداوية بعض المشاهد بين ثنايا البوح.. إيصال الصورة أصبح اليوم أكبر إشكاليات الأديب الذي يتعب لكي لا تُستقبل بالمفهوم الخطأ.
¯ هل شاركت بمسابقات وطنية ودولية تناولت صورة الوطن؟
¯¯ المسابقات الوطنية والدولية قد تضع شروطا تقتضي تكريس الشاعر إبداعه لهمّ الوطن، لكن تبقى الإشكالية هي النظرة التقليدية إلى صورة الوطن فليس كله بطولات ولا هزائم، إنما الوطن في صورته الحقيقية إنسان بأفكاره وقيمه الجمالية.. وطن اليوم هو الطبيب المجتهد في عمله لإسعاد المرضى وهو المعلّم الباذل للجهد في سبيل جيل يصنع المستقبل، وهو الأمّ التي تربّي أبناءها على الكرامة وترضعهم المبادئ.
¯هل تم انتقادك كشاعر الوطن؟وما هي تلك الانتقادات التي وجهت لك؟
¯¯  نعم.. يتمّ انتقادي بصيغ مبتذلة ومستهلكة جدا، فمرّة أتّهم على أنني شاعر البلاط ما دمت كتبت بعض القصائد المبجّلة للوطن ورموزه.. أنا لا أخجل من الحقيقة فلكل شخص سلبياته وإيجابياته، ورغم أنني كتبتُ في الحالين، إلا أن البعض يُلحّ على تصنيفي ضمن المطبّلين والمزمّرين، وهذا راجع إلى جهل مواقفي وعدم متابعة جميع قصائدي، فلمن وضعني تحت مصطلح «شيّات» أقول:
«إن كان حبُّكِ يا جزائرُ شيتةً * فأنا بكلّ قصائدي شيّاتُ».
¯ هل تجد للشعر الوطني مكانة لائقة بالجزائر اليوم؟
¯¯ ليس الشعر الوطني وحده الذي لم يحظ بالمكانة اللائقة في الجزائر، فالشعر عموما أصبح منبوذا من المجتمع الجزائري.. أقول هذا لأنني شاهدتُ كيف يتسابق شباب اليوم للحصول على مقعد في قاعة بها نشاط حفل غنائي، وفي المقابل نجد القاعات شاغرة حين يكون النشاط مخصصا لأمسية شعرية.. طبعا الأسباب متعددة منها ما هو سياسي، ولكن ألوم الأسر الجزائرية التي لم تزرع في أبنائها إلا حبّ الأغاني الهابطة.
¯ أسابيع تفصلنا على اختتام السنة المخصصة للخمسينية، كشاعر كيف تقيم آداء الشعراء الجزائريين، هل تلمح حس وطني بالقصائد؟
¯¯ شعراء الجزائر لم يقصّروا في حق وطنهم، لأنهم وطن له، ورغم الآلام والأحزان التي قدمها لهم في فترات معينة، أراهم كتبوا عنه الكثير وما يزال الأروع يُكتب.. القصائد الوطنية تتجدّد غير أنها لا تصل إلى الكتاب المدرسيّ، فكيف يلمح ذاك الحس الوطني جيل اليوم؟.. ثمّ إن دور الأكاديميين و الباحثين تراجع كثيرا عن التعريف بالشعر الجزائري، وكأن الجزائر لا تملك شعراء يتغنّون بها.
¯ من الشاعر الذي أثّر فيك، الذي تمس فيه حس وطني غالب على كلماته ؟
¯¯ لا أظن أنه يوجد شاعر في العالم لا يملك حسّا وطنيّا.. كل شاعر يتغنى بالوطن ويحكي يومياته فيه بالطريقة الفنّية التي يراها مناسبة.. بعضهم اختزل الوطن في ذاته والآخر في محبوبته .. بعضهم ذهب للوطن من حيث أنه مانح الهويّة كما فعل محمود درويش في ''مديح الظلّ العالي..'' آخرون مزجوا أفراحه بآلامه كما فعل بدر شاكر السيّاب مع أنشودة المطر، وآخرون صاغوا من مواجعه روائع كنزار بهوامش على دفتر النكسة.
¯ على أي أساس يتناول قلمك وحروفك قضايا الوطن؟
¯¯ الشاعر الجيّد من ينطلق من أسس متعدّدة، فالقصيدة الوطنية لا تأتي دائما من بحيرة التاريخ فقط وليس بالضرورة قدومها من ملاحم نوفمبرية إنما تنبع من همّ يوميّ يعيشه الشاعر في بيئته الملوّثة بحزن ناضل الوطنيون الأحرار لاقتلاعه.. هذه القصيدة تكتسب وطنيّتها من إخلاص الشاعر لحيثيات تؤلمه فتشبّ نار القريحة موقدة قناديل الإبداع في سبيل تنوير درب نحو حلم بغد أفضل و بوطن أجمل.
¯ هل هناك مواكبة للأحداث بقصائدك مع ما يحدث في الدول العربية؟
¯¯ لدي من القصائد ما واكب الأحداث التي تعيشها الدول العربية لقناعتي أن من يُقتل اليوم هو أخي أخوة العروبة والإسلام والإنسانيّة.. في وطني العربيّ تلسعني همومه يوميّا لهذا أجدني أكتب بعض النماذج الشعريّة التي تتناول قضاياه، فعن مصير سوريا كتبت ''لؤلؤة لم يرمها البحر النزاري'' وعن مصر بعد الحرب الكرويّة التي جاوزت الحدود بين الشعبين الجزائري والمصري كتبت ''أشرعة المحبة'' والقصائد كثيرة في هذا المجال..
¯ وهل تمكن الشعراء الجزائريون من إيصال صورة بلادهم للآخرين؟    ¯¯ في الوقت الذي يقدّم فيه أشباه السياسيين صورة مشوّهة عن الجزائر مصطبغة بالمذلّة والخنوع والاستبداد، يرسم شعراء الجزائر عبر المنابر الأدبية و المحافل الدولية صورة مشرّفة عن جزائرنا الحبيبة.. صورة الجزائر في قصائد شعرائها تتجاوز ذلك الحيّز الضيّق الذي يحصر تاريخها المشرف في سبع سنوات كان نوفمبر رأسها.. إن الجزائر شعرا أكبر من ثورة نوفمبرية فكلها ثورات منذ القدم ضد أشكال العبودية والقادم فيها أجمل.
¯ برأيك ما الدور الذي لعبته المؤسسات الثقافية في ربط الأدباء والشعراء بوطنهم؟
¯¯ الشعراء والأدباء ليسوا بحاجة لمن يربطهم بوطنهم، لم يقطعوا الحبال السُرّية منذ وُلدوا فيه..
المؤسسات الثقافية ما هي إلا فضاءات تظلّ فارغة بالنسبة للشعراء ما لم تقم بخلق جمهور شعريّ عبر وسائل راقية، لهذا لا يمكنني الحديث عن دور لها وأنا أراها مجرّد هيكل بلا روح تسيّرها العشوائية والاعتباطية دون رؤية واضحة أو إستراتيجية هادفة.
¯ كلِّمنا عن الأشعار التي نظمتها فداء لوطنك ؟
¯¯ قصائدي كلّها وطنية ما دمت أنا الوطن والشاعر في آن واحد، ذلك أن الجزائر وكلّ ما هو متّسع لكيانٍ إنسانيٍّ يسكنني، فالوطنيّة عندي ليست تمجيدا فحسب إنما هي معايشة للألم الجميل واقتناص لحظاتٍ حميميّة في ثنايا الوطن.. حين أكتبُ القصيدة تكون الهويّة مدادها، وحين ارسمها التاريخ لونها، وحين أنسجها فالانتماء خيوطها، وحين أنحتها فمن الشامخات الشاهقات يكون ذلك.
¯ هل من موقف جعلك تكتب شعرا للأم الجزائر وعلاقتها بالوطن العربي؟
¯¯ أعتقد أن هناك مواقف كثيرة، يحضرني واحد منها الآن، وهو ما حدث بعد ملحمة أم درمان في السودان.. إنّ ما رأيته من حرب إعلامية أشعلت فتنة بين شعبين عربيين مسلمين، كان محفّزا بشكل ما على تلطيف الأجواء ولو بقصيدة تذكّر وقوف الشعبين معا في سنوات خلت فلكل فضل على أخيه.. وُلدتْ قصيدة عنونتها أشرعة المحبّة إيمانا مني بأن الإبحار في الدنيا لا يكون إلا بأشرعة المحبّة حين هبّت رياح الذاكرة الجماعيّة.
¯ طموحاتك المستقبلية؟
¯¯ ما أريده وأطمح لنيله أبلغ من القول، كما يقول المتنبي: «أريدُ مِنْ زمَني ذا أنْ يُبَلِّغني*** ما ليس يبلغهُ منْ نفسهِ الزّمنُ..''، لي رغبة في أن أصل إلى بصمة شعريّة تعرّفُ بكتاباتي الإبداعيّة على أحسن وجه، وأتمنى تدوين اسمي في قائمة الخالدين بأفكارهم وأدبهم، وأنا على يقين من أن القائمة لم تكتمل بعد ويمكن لأي إنسان مؤمن بقضيّته أن يدخل قصور التاريخ في الوقت الذي ترمى في مزابله الأسماء الفارغة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024