تشكل جسرا بين الماضي والحاضر..البروفيسور نعيمة سعدية لـ”الشعب”:

الألعاب الرقميـة..صناعة ثقافيـة تسهم في التأثــير وصناعة الوعـي

إيمان كافي

تعتبر البروفيسور نعيمة سعدية أن الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو، لم تعد مجرد وسيلة للتسلية، بل أصبحت اليوم وفي ظل التحول الرقمي، صناعة ثقافية كبرى توازي السينما والكتاب والموسيقى في قدرتها على التأثير وصناعة الوعي.

ومن هذا المنطلق، أشارت نعيمة سعيدة أستاذة التعليم العالي بجامعة محمد خيضر ببسكرة في حديث مع “الشعب” إلى أن وزارة الثقافة الجزائرية، تسعى إلى استثمار هذه التكنولوجيا الحديثة في توثيق وحفظ الإرث الثقافي الوطني، ونقله للأجيال القادمة بطريقة جاذبة ومتلائمة مع لغة العصر.
وأكدت أن هذا التوجه يمكن أن يجعل من الألعاب الرقمية جسرا متينا يصل الأطفال والناشئة بتراثهم الحضاري، فمن خلال إدماج الرموز التاريخية، العمارة الإسلامية، الأزياء التقليدية، الأهازيج الشعبية، والبطولات الوطنية في بيئة افتراضية مشوقة، يتمكن الطفل من التعرف على مكونات هويته الثقافية دون أن يشعر بالملل أو الانفصال عن واقعه التكنولوجي.
وأوضحت أن بناء لعبة رقمية مستوحاة من معركة الجزائر، أو من أسواق القصبة، أو من حياة الطوارق في الصحراء، يمنح المتعلم تجربة تعليمية ـ ترفيهية متكاملة، حيث يمتزج التفاعل الرقمي بالانتماء الوطني.
كما تطرقت إلى البعد التربوي للعبة الرقمية، مؤكدة أنه وعلى اعتبار أن أطفال اليوم يتلقون معارفهم وقيمهم بشكل أساس عبر الوسائط التكنولوجية، فإنّه يتوجب الاستثمار الجيد لذلك، لأنه في حال لم يتم أو يتحقق استثمار هذا الفضاء لصالح الهوية الوطنية، ومن أجل تنمية الوعي والاعتزاز بالهوية، فإن البديل سيكون الغزو الثقافي القادم من الخارج.
كما ذكرت أن الألعاب ذات البعد الثقافي والتربوي، يمكن لها أن تعزز الانتماء الوطني عبر قصص مستوحاة من تاريخ المقاومة والثورة الجزائرية وكذا القيم الأخلاقية مثل التعاون، الصدق، احترام الكبير، المستوحاة من التراث الشعبي والوعي التراثي، من خلال التعرف على الآثار، الألبسة، المطبخ التقليدي، والحرف اليدوية. وبهذا تتحول اللعبة من مجرد ترفيه إلى أداة تعليمية موجهة تعيد تشكيل وعي الناشئة ضمن إطار حضاري راسخ.
وعن إمكانية تفعيل هذا الدور الثقافي والتربوي، اعتبرت البروفيسور نعيمة سعدية أنه لا بد من وضع رؤية استراتيجية تقوم على الشراكة بين وزارتي الثقافة والتربية الوطنية لتضمين هذه الألعاب في البرامج التعليمية كنشاط مواز، وعلى دعم الابتكار المحلي عبر تمويل مشاريع للشباب المبرمجين والمصممين الجزائريين، لابتكار ألعاب مستوحاة من التراث وتشجيع البحث الأكاديمي في الجامعات حول توظيف الألعاب في التربية الثقافية، بالإضافة إلى تنظيم مسابقات وطنية لأفضل لعبة رقمية تُجسد معلما أثريا أو شخصية تاريخية أو حدثا وكذلك تطوير الصناعة الثقافية للألعاب، خاصة أن هذه صناعة لم تعد مجرد مبادرات فردية، بل اقتصادا قائما بذاته.
واقترحت لجعلها صناعة جزائرية رائدة، ضرورة إنشاء حاضنات تكنولوجية متخصصة في تطوير الألعاب الرقمية وتأطير الشباب الموهوبين عبر تكوينات في البرمجة، السرد التفاعلي، والتصميم ثلاثي الأبعاد وإقامة شراكات دولية مع شركات رائدة لرفع مستوى الإنتاج المحلي، مع الحفاظ على الطابع الثقافي الجزائري وتسويق الألعاب الجزائرية عالميا لتكون نافذة على حضارة البلاد وتراثها وإدماج الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي في تصميم تجارب تحاكي العيش في بيئات تاريخية، كمدينة تيمقاد أو وهران العثمانية.
ومن هنا، أكدت أن الاستثمار في الألعاب الرقمية، ليس ترفا ثقافيا، بل ضرورة استراتيجية لحماية الذاكرة الوطنية من التآكل في زمن العولمة، قائلة “الطفل الذي يكتشف تراثه عبر لعبة ممتعة، هو جيل الغد الذي سيحمل الشعلة ويعتز بهويته، ويصونها من الذوبان في ثقافة الآخر، لذلك من المهم أن تصبح الألعاب الرقمية صناعة ثقافية، تربوية، واقتصادية في آن واحد، قادرة على جعل التراث الجزائري حيا ومتجددا في وعي الأجيال القادمة”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19859

العدد 19859

الثلاثاء 26 أوث 2025
العدد 19858

العدد 19858

الإثنين 25 أوث 2025
العدد 19857

العدد 19857

الأحد 24 أوث 2025
العدد 19856

العدد 19856

السبت 23 أوث 2025