كلمةٌ عَن هيئةٍ رَسميَّة لِتطويرِ اللّغةِ العربيّة

جهــود المجـــامع اللّغويّـة

بِقَلم: البروفيسور عليّ كشرود جامِعَة الجَزَائر -2-

المجامع اللّغويّة، مؤسّسَات عِلمِيّة وبَحثِيّة تهتمّ بِشؤون اللّغة العربِيّة فِي مُختَلِفِ المَجَالَاتِ، وَتَسعَى للحفاظِ عَليهَا وَتَطويرها..تجتهِدُ المَجَامِعُ فِي تَوحِيدِ المُصطلحَاتِ، وإثرَاءِ اللّغَة العربِيّةِ بِالمفرَدَاتِ الجَدِيدَةِ، وَالاِهتِمَامِ بِالتّرجَمَةِ ورَقمَنَةِ اللّغَةِ، وَوَضعِ القَوَاعِدِ اللّغَويّة، وَنَشرِ الوَعيِ اللّغَويّ.


لم تقُمِ المجامِعُ اللُّغويّةُ ولم تُنشَأ إلَّا لِتحقيقِ غرَضٍ أسمى يليقُ بِمكانةِ اللُّغةِ العربيّةِ الّتي خصّها القُرآنُ الكريمُ بِالذِّكرِ، ألا وهو: البحثُ عنِ المُشكلاتِ والعراقيلِ الّتي تجعلُ اللُّغةَ العربيّةَ عقيمَةً وبعيدَةً بُعدَ السّماءِ عنِ الأرضِ عنِ الرَّقمنَةِ، وما يُؤكِّدُ هذا الواقِعَ المريرَ، هو تلك الدِّراساتُ الكثيرَةُ الّتي شهِدتِ البُعدَ اللُّغوِيَّ في عصرِنا الحالي؛ فكثيرٌ من هذِه الدِّراساتِ تستنِدُ في تأكيدِ هذِه الحقيقَةِ عن واقِعِ اللُّغةِ العربيّةِ إلَى تلكَ المنشوراتِ الّتي تملأُ جُدرانَ مواقِعِ التّواصُلِ الاِجتماعيِّ بِكلِّ أنواعِها والّتي تُنشَرُ وتُوثَّقُ بِلغاتٍ أجنبيَّةٍ، فجاءَت عبارةً عن رُموزٍ أجنبيَّةٍ وُظِّفت بِلُغةٍ عربيَّةٍ بِغرَضِ النُّطقِ وحسب، وليسَ بِغرَضِ الاِستعمالِ. وعليهِ، فَوَظِيفَةُ المجامِعِ اللُّغويَّةِ، هي ضبطُ اللُّغةِ وِفاقَ الاِستعمالِ بِغرَضِ التّطوُّرِ والرُّقِيِّ، ووضعُ مُصطلحاتٍ جديدةٍ تعمَلُ المجامِعُ اللُّغويَّةُ على إخضاعِها بِما يَتوافَقُ والمقاييسَ الّتي تضبِطُ اللُّغةَ العربيَّةَ معَ توافُرِ شَرطي: الفصاحةِ والسّلامةِ.
   يَنحَصِرُ الدّورُ الوظيفيُّ لِلمجامِعِ اللُّغويّةِ في تحسينِ صورَةِ اللُّغةِ العربيّةِ وواقِعها في المجالِ الرَّقميِّ، وذلِك بدءًا بِإحصاءِ المنشوراتِ المكتوبَةِ بِاللُّغةِ العربيّةِ، أي: النّظرُ بِعُمقٍ في المُحتوى العربيِّ على الشّابكَةِ العَنكبوتيَّةِ، والبحثُ في أسبابِ قِلّةِ اِنتِشارِ اللُّغةِ العربيّةِ في فضاءِ الرَّقمنَةِ إذا ما قورِنت بِلُغاتٍ أُخرى ذاتِ الاِنتِشارِ الواسِعِ. ومِن هُنا تَبرُزُ الوَظِيفَةُ الرِّيادِيَّةُ لِلمجامِعِ اللُّغويّةِ في حصرِ سُبُلِ تنميَةِ المُحتوى العربيِّ، وتشجيعِ المُبادراتِ الّتي تَصُبُّ في هذا الاِتِّجاهِ حتّى يتسَنّى لِلُّغةِ العربيّةِ أن تجِدَ لها موقِعا مُشَرِّفًا في عصرِ التِّقَنيَّةِ والتّطوُّرِ العلميِّ والتّكنولوجِيِّ، وتتَمكَّنَ مِنَ الاِنفِتاحِ في ظلِّ آفاقٍ رحبَةٍ على ثقافاتِ الأُممِ الأُخرى عن طريقِ التّرجمةِ والتّرجمةِ الآليَّةِ لِلُّغةِ العربيّةِ، والتّعريبِ، وتطويرِ البَرمجيّاتِ، وإعدادِ المعاجِمِ المُتخَصِّصَةِ، والتّأليفِ في قواعِد اللُّغةِ بغرَضِ تسهيلِ اِكتِسابِها، والاِجتِهادِ في إخضاعِها لِلتّحليلِ الحاسوبيِّ؛ لأِنّ اللُّغةَ العربيّةَ مِن هذا المُنطلَقِ، هيَ مِحوَرُ المنظومةِ الفِكريَّةِ والثّقافيَّةِ، ويَتعاظمُ دورُها وشأنُها في عصرِ التِّقنيّاتِ الحديثَةِ لا سيّما الإنتَرنَت، ولِهذا وجَبَ على المجامِعِ اللُّغويّةِ أن تُوليها العِنايَةَ الفائقَةَ لِتطويرِها، وجعلِها تحتلُّ موطئَ قَدمٍ في العالَمِ المُعاصِرِ الّذي باتَتِ العولَمةُ تتحكَّمُ فيهِ، وذلِك بِغرَضِ بِناءِ حضارَةِ الإسلامِ المُرتقَبَةِ الّتي تُتَرجِمُ العصرَ الذَّهبِيَّ الّذي عاشتهُ في القُرونِ الخوالي، وأينَ يَجِدُ القارئُ العربيُّ ضالَّتَهُ من هُويَّةٍ واِنتِماءٍ.
   لقد قَلبَت وسائلُ الاِتِّصالِ الحديثَةُ والمواقِعُ الإلِكترونيَّةُ الّتي أنجبَها التّطوُّرُ التّكنولوجيُّ في عصرِ الرَّقمنَةِ موازينَ اِستخدامِ اللُّغةِ العربيّةِ، خاصَّةً لما شاع اِستعمال مِنصّاتِ التّواصُلِ الاِجتِماعيِّ، وتبادُلُ المُحادثاتِ في اليوتوب والتّويتَر، والأنستغرام، وعزوفُ الكثيرِ مِنَ الشّبابِ العربيِّ عنِ اِستِخدامِ اللُّغةِ العربيّةِ في هذهِ المِنصّاتِ؛ والوضعَ هذا، باتَتِ اللُّغةُ العربيّةُ في خطَرٍ حقيقِيٍّ مُحدِقٍ بِها إن لم تُسرِعِ الجهاتُ الوصيَّةُ وعلى رأسِها المجامِعُ اللُّغويّةُ العربيّةُ إلى اِحتواءِ الأَزمةِ ومُعايَنةِ أسبابِها، واِقتِراحِ الحُلولِ لها.
   لا وُجودَ لِأزمةٍ تعيشُها اللُّغةُ العربيّةُ، وإنّما الخطرُ الّذي يَتهدَّدُها يَكمُنُ أساسًا في مُستعمليها الّذينَ لا يُجيدونَ اللُّغةَ العربيّةَ الفُصحى، ويُسيئونَ اِستعمالَها الاِستعمالَ الصّحيحَ طِبقًا لِلقواعِدِ الّتي تضبِطُها..إنّ شعوبَ المعمورَةِ، وفي ظلِّ ما تولَّدَ عنِ التّطوُّرِ التّكنولوجيِّ، تسعى جاهِدةً لِتَحجِزَ لها ولِلُغَتِها مكانًا ضِمنَ منظومةِ العالَمِ الرَّقمِيِّ عن طريقِ مَدِّ جُسورِ التّواصُلِ بينَ أفرادِ المُجتمَعِ العالَميِّ بِوساطةِ الشّابِكةِ العَنكبوتيَّةِ وما تُتيحُهُ مِن شبكاتِ التّواصُلِ الإلِكترونِيِّ المُختلِفَةِ.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19858

العدد 19858

الإثنين 25 أوث 2025
العدد 19857

العدد 19857

الأحد 24 أوث 2025
العدد 19856

العدد 19856

السبت 23 أوث 2025
العدد 19855

العدد 19855

الخميس 21 أوث 2025