الممارسة النّقديــة محصورة في الاجتهـادات الفرديـة أو الأحكام الانطباعيـة
النّهـوض بالسّينمــا يقتضــي إعـادة الاعتبـار الحقيقي للنّقــد السّينمائـي
أكّد الكاتب والناقد السينمائي جمال محمدي أنّ النقد السينمائي يساهم بشكل فعال في بناء صناعة سينمائية ناضجة، ليس فقط من خلال تحليل الأعمال الفنية وتقييمها، بل أيضا عبر خلق حوار ونقاش دائم يربط بين صنّاع الأفلام والجمهور.
واعتبر جمال محمدي في حديث لـ “الشعب”، أنّ النقد السينمائي والتحليل الفيلمي يعدّ أداة لخلق الذائقة الفنية لدى الجمهور وصناع الأفلام أنفسهم، حيث يحفّز المخرجين وكتاب النصوص الموجهة للسينما على تقديم أعمال أكثر عمقا وجودة، كما يساهم النقد ـ حسبه ـ في توثيق التجربة السينمائية ومساءلة اختياراتها ومدلولاتها، ما يجعله عنصرا محوريا وأساسيا في تطور السينما والإبداع.
وقال المتحدّث: “لا يمكن إنكار وجود أقلام نقدية بالجزائر، تحاول أداء هذا الدور، لكن الممارسة النقدية والفعل النقدي، بمفهومه الأكاديمي والاحترافي، أعتقد أنه ما يزال فعلا هامشيا، وفي بعض الأحيان غير مرغوب فيه، لغياب المجلات السينمائية والنقدية المتخصصة، بالإضافة إلى قلة المنابر الإعلامية التي تحتضن المقالات والدراسات النقدية المؤسسة، وهذه كلها عوامل أساسية لتحسين وتطوير الأداء النقدي للذين يشتغلون ويكتبون عن السينما”.
وإلى جانب ذلك، تفتقر منظومة السينما في بلادنا حسب ما أشار إليه، إلى الجامعات والمعاهد السينمائية وإلى تخصص واضح ومستقل في النقد السينمائي، ممّا يترك معظم النقاد خارج التكوين المنهجي الذي يمكنهم من امتلاك أدوات التحليل ومناهج النقد.
وبالتالي يقول “تبقى الممارسة النقدية في كثير من الأحيان محصورة في الاجتهادات الفردية أو الأحكام الانطباعية، بدلا من أن تكون على أساس مقاربات علمية وفنية، ولعل العائق الأكبر هنا هو أيضا نقص قاعات العرض السينمائي، وهو ما يحرم الجمهور والنقاد معا من مشاهدة الأفلام في ظروف تقنية تسمح بمشاهدة مثالية، كما أن عدد الأفلام المنتَجة سنويا قليل جدا حتى يحفز النقاد على متابعتها وتحليلها وتقريبها من الجمهور، وهذا بدوره يقيد إمكانيات النقد السينمائي”.
أمّا من الناحية الذاتية، فاعتبر المتحدّث أنه لا يمكن تجاهل حقيقة وهي أن بعض النقاد أنفسهم يترددون في ممارسة نقد صريح بدعوى أن نقد تجربة سينمائية ما - مهما كانت هشاشتها - قد يفسّر على أنه إضعاف لها، في ظل بيئة إنتاجية شحيحة، وأفلام تعد على الأصابع، مما ينعكس سلبا على مصداقية وأهمية النقد السينمائي، ويحرم السينما الجزائرية من أداة ضرورية لتحسين محتواها وأدائها.
وأشار الناقد جمال محمدي إلى أنّ من المفارقات المؤلمة أيضا، أنّ الناقد السينمائي كثيرا ما يغيب حتى عن المهرجانات والندوات السينمائية التي تقام من حين إلى آخر، على قلتها، حيث ينحصر التركيز غالبا على العروض والأفلام دون إتاحة مساحة للنقاش التحليلي أو النقدي المؤطر، وكأنّ النقد مكوّن ثانوي وليس ركنا أساسيا من الفعل السينمائي.
ومن هنا، أكّد أنّ النهوض بالسينما في الجزائر لا يمكن أن يتم دون إعادة الاعتبار الحقيقي للنقد السينمائي، لا بوصفه ترفا ثقافيا أو نشاطا تابعا، بل باعتباره جزءا لا يتجزأ من منظومة صناعة الفيلم وتقييمه وتوجيهه، لأن النقد لا يمارس في الهامش، بل ينبغي أن يكون شريكا في تطوير الرؤية الفنية لا عدوا لها لتعميق وعي الجمهور.
ولتحقيق هذا، لا بد من العمل على عدة مستويات كما أبرزها محدثنا، حيث يجب أولا إعطاء الأهمية للتكوين الأكاديمي، من خلال فتح تخصصات مستقلة في النقد السينمائي داخل الجامعات والمعاهد يتلقى فيها الطلبة الذين سيصبحون نقادا، نظريات النقد السينمائي ومناهجه وتاريخه ورواده، بشكل منهجي ومتكامل.
ثانيا خلق منابر مستقلة للنقد السينمائي، سواء عبر الصحافة المكتوبة، أو المنصات الرقمية، أو برامج متلفزة وإذاعية، تعطي للنقاد صوتا مسموعا ومنبرا دائما، ثم إشراك النقاد في الفعاليات السينمائية بشكل فعلي، لا رمزي، سواء كمشاركين في لجان التحكيم أو في الندوات والورشات، من أجل تكريس دورهم في تأطير الخطاب السينمائي. وتشجيع ثقافة الاختلاف الفني والنقدي، بحيث لا ينظر إلى النقد كعدو وخصم ضمن مساحة الإبداع التي يتطلبها العمل الفني .إضافة إلى تحسين البنية التحتية للعروض السينمائية، من خلال إعادة فتح القاعات وتوفير فضاءات عرض مناسبة تُعيد للسينما مكانتها كفعل جماهيري وفني.
وفي النهاية، يقول محمدي “لا يمكن الحديث عن سينما جزائرية قوية دون الحديث عن نقد سينمائي متزن مرافق لها، كما أن كل مخرج يحتاج إلى فريق عمل متكامل، فإن كل تجربة سينمائية أيضا تحتاج إلى عين نقدية مرافِقة، لا تصفق ولا تعادي بل تسائل، تحلل وتعطي مفاتيح فهم المحتوى من أبعاد وزوايا مختلفة”.