المخـرج المسرحــي أيمـن فيطـس لـ “الشعب”:

المسرح الرّقمي..رهان فني جديد يعيد تشكيل الدّهشة

فاطمة الوحش

يرى المخرج المسرحي أيمن فيطس أنّ الزمن الرقمي، بكل ما يطرحه من تحديات وفرص، لم يعفِ الفن من مسؤولياته الجمالية والإنسانية، بل زاده تعقيدا واتّساعا.

 أوضح أيمن فيطس في حديثه مع “الشعب” حول التجربة المسرحية الرقمية، أن المسرح، الذي تعلّم منه على مدار سنوات كيف يُنصت إلى الصمت، ويترجم الظل ويراقب ارتجاف الجسد على الخشبة، لم يعد اليوم مقتصرا على الفضاء التقليدي، بل صار عابرا للقاعات والجغرافيا، يتسلّل عبر الشاشات والهواتف، ويبلغ المتلقي أينما كان.
وأكّد المخرج أنّ هذا التحول لا يعني بالضرورة تخلّي المسرح عن هويته أو جوهره، بل هو، كما عبّر، “مجال جديد لتوسيع الدهشة، ولزرع بذور العرض في ذاكرة المتلقي، حتى وإن لم يكن جالسا داخل قاعة مظلمة”. وأشار إلى أنّ الكثير من أعماله، التي نالت التقدير النقدي والجوائز، ما كانت لتصل إلى جمهور غير محلي لولا الوسائط الرقمية التي مكّنتها من السفر بعيدا دون تأشيرة.
وأضاف فيطس، أنّ الوسائط التكنولوجية، وعلى رأسها المنصات الرقمية، لم تعد مجرد أدوات تقنية أو وسائل ترويج، بل أصبحت جزءا من العملية الإبداعية. وبيّن أن المسرح الرقمي لا يعني مجرد تصوير العرض أو نقله عبر الإنترنت، بل هو عملية فنية بحد ذاتها تتطلب تفكيرا إخراجيا مختلفا، ومقاربة بصرية تُراعي خصوصية التلقي عن بُعد. وأوضح في هذا السياق أن التحدي الجوهري يكمن في “نقل الروح المسرحية” إلى الشاشة، أي الحفاظ على نبض العرض، على حضوره وصدقه وتفاعله اللحظي، حتى وإن تم توسيطه بالكاميرا أو تحجيمه في إطار.
ونوّه المتحدث، بأنّ الفضاء الرقمي يمكنه أن يمنح العرض المسرحي فرصا كبيرة للانتشار والتفاعل، لكنه قد يكون أيضا خطرا إن أسيء استخدامه. “المسرح ليس تسجيلا، ولا يمكن اختزاله في لقطة أو مونتاج سريع”، يقول فيطس، ويضيف “أن الخطورة تكمن في أن يفهم المسرح الرقمي على أنه مجرد محتوى قابل للاستهلاك مثل الفيديوهات القصيرة أو المقاطع الترفيهية”.
وبنبرة المسؤولية، أكّد أيمن فيطس أنّ المسرح الجزائري بدأ يشق طريقه في هذا المسار، مشيدا ببعض المبادرات التي راهنت على التكوين الرقمي وإدماج التكنولوجيا في تجربة العرض. غير أنّه شدّد على أن الطريق ما تزال طويلة، وأن المطلوب اليوم هو “وعي جمعي بأهمية الرقمنة في المسرح، ومرافقة تكوينية للفنانين، واستثمار جاد في البنى التكنولوجية”، مع ضرورة احترام خصوصية الفن المسرحي وتاريخه العريق في التفاعل المباشر مع المتلقي.
كما أشار المخرج، إلى أنّ العلاقة بين المسرح والجمهور تشهد تحولًا جذريا، لم يعد فيه المتفرّج مجرّد متلقٍّ سلبي داخل القاعة، بل أصبح شريكا في التجربة حتى وهو يشاهد العرض من شاشة هاتفه أو حاسوبه. من هنا، يرى فيطس أنّ “إعادة صياغة العلاقة مع المتلقي” هي من أولويات التجربة المسرحية الرقمية، وأن الفنّان مطالب بأن يكون حاضرا في ذهن الجمهور أينما كان، لا فقط على الخشبة بل وفي الذاكرة الرقمية أيضا.
ورغم اعترافه بإمكانيات الوسائط الحديثة، رفض فيطس فكرة استبدال المسرح الواقعي بالمسرح الافتراضي، وقال: “قد لا يكون المسرح الرقمي بديلا، لكنه بالتأكيد فرصة، علينا أن نغتنمها ونوظفها بذكاء دون أن نفرّط في روح المسرح الحقيقية”.
وأضاف أنّ الفن لا يموت، بل يتحول، والمسرح عبر تاريخه الطويل أثبت دائمًا قدرته على التكيّف والتجدد، سواء في الساحات العامة أو على المنصات الرقمية. كما أكد فيطس، على أن التجربة الرقمية يجب أن تبنى على وعي جمالي، ورؤية فنية واعية بالزمن والتقنيات والجمهور، معتبرا أنّ الشاشة، رغم برودتها، يمكن أن تنقل دفء العرض المسرحي حين تكون النية صادقة والرؤية متكاملة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19805

العدد 19805

الثلاثاء 24 جوان 2025
العدد 19804

العدد 19804

الإثنين 23 جوان 2025
العدد 19803

العدد 19803

الأحد 22 جوان 2025
العدد 19802

العدد 19802

السبت 21 جوان 2025