يعيش المشهد الدرامي الجزائري في رمضان 2025 طفرة إنتاجية غير مسبوقة، حيث اكتظت الشاشات المحلية بعدد كبير من المسلسلات، في خطوة تعكس ازدهار صناعة الإنتاج التلفزيوني. إلا أن هذه الوفرة لم تصحبها قفزة نوعية على مستوى الجودة، إذ ظل ضعف السيناريو والحوار إحدى أبرز الإشكاليات التي واجهت معظم الأعمال، ما أثار انتقادات واسعة في الأوساط الفنية والجماهيرية.
على الرغم من التطور الملحوظ في تقنيات التصوير والإخراج، والذي منح الأعمال الجزائرية طابعا بصريا أكثر احترافية، فإن العمق الدرامي ظل غائبا في العديد من الإنتاجات. والسبب في ذلك يرجع، بحسب نقاد، إلى ضعف الحبكات الدرامية التي تفتقد إلى الأصالة والتشويق، إضافة إلى غياب التنوع في المواضيع المطروحة. فغالبا ما تدور القصص حول موضوعات مكررة، كالصراعات العائلية، والدراما الاجتماعية التقليدية، دون محاولة استكشاف مواضيع أكثر جرأة أو تقديم رؤى جديدة ومبتكرة.
يشير الكاتب رفيق طيبي إلى أن أزمة السيناريو أصبحت سمة بارزة في الإنتاج الجزائري، إذ يعتمد العديد من صناع الدراما على نصوص تفتقر إلى العمق النفسي والبعد السردي المتماسك، مما يؤدي إلى تقديم مشاهد حوارية سطحية لا تخدم البناء الدرامي بشكل مقنع. ويضيف أن السيناريو، الذي يعد العمود الفقري لأي عمل درامي ناجح، لم ينل الاهتمام الكافي، حيث لم يُستعن بكُتاب متخصصين في السرد القصصي أو الأدباء الذين يمكنهم إضفاء قيمة فنية على النصوص.
إلى جانب أزمة السيناريو، يشكّل احتكار مجموعة محدودة من الممثلين للمشهد الدرامي عائقا أمام بروز مواهب جديدة. فبدلا من التنقيب عن وجوه صاعدة تمتلك قدرات أدائية قوية، يفضّل المنتجون الاعتماد على الأسماء ذاتها التي تتكرر في كل موسم، ما يفقد المشاهد عنصر المفاجأة ويجعله يشعر وكأنه يشاهد نفس الشخصيات في أدوار مختلفة.
ويرى رفيق طيبي أن غياب المسرحيين والمواهب الشبابية عن الشاشة حرم الدراما الجزائرية من دماء جديدة قادرة على إضفاء طابع متجدد على المشهد الفني. كما أن صعود بعض الوجوه من منصات التواصل الاجتماعي إلى التمثيل دون خبرة كافية أسهم في تراجع مستوى الأداء، حيث تغيب عنهم تقنيات التشخيص الحقيقية التي تمنح العمل مصداقيته الفنية.
أمام هذه التحديات، يرى كثيرون أن النهوض بالدراما الجزائرية يتطلب إصلاحات جذرية، تبدأ بإعادة الاعتبار لكاتب السيناريو، ومنحه المساحة الكافية لتقديم نصوص متكاملة دون تدخلات تُضعف البناء الدرامي. كما أن فتح المجال أمام المواهب الجديدة، سواء في التمثيل أو الإخراج أو الكتابة، سيكون عاملا أساسيا في تجديد المشهد الفني وإعادة البريق للدراما الجزائرية، كما لا يمكن إغفال دور الجمهور، الذي أصبح أكثر وعيا وانتقائية في متابعة الأعمال، وهو ما يفرض على المنتجين مراجعة استراتيجياتهم، والبحث عن أعمال ذات قيمة فنية قادرة على المنافسة ليس فقط على المستوى المحلي، وانما على المستوى العربي ايضا.