تنوّع ثقافي والتّراث اللاّمادي يجمع فسيفساء الجزائر
تتواصل الاحتفالات برأس السّنة الأمازيغية يناير 2969 في كل ربوع الوطن من خلال أنشطة فنية وثقافية وفلكلورية تهدف إلى إبراز الموروث الثّقافي الأمازيغي للشّعب الجزائري الغني بعاداته وتقاليده العريقة من خلال ما تعيشها بالمناسبة كل من ورقلة، غرداية، خنشلة والواد.
يتّفق عموم الأمازيغ في الاحتفال بهذا اليوم باعتباره عنوانا للخصوبة والعطاء، حيث يستبشر جمهور المزارعين بالموعد، ويرون في هذا العيد مناسبة زراعية يأملون من خلالها بقدوم سنة جديدة خضراء تثمر حصادا وفيرا، وتختلف طقوس الاحتفال من منطقة إلى أخرى كل حسب عاداتها وتقاليديها، إلاّ أنّها تتّفق جميعها في أصل وسبب الاحتفال.
ويرى الباحث والمهتم بالتاريخ الأمازيغي بورقلة عبد الهادي دادن، أنّ الاحتفال بعيد يناير في أوساط سكان قصر ورقلة قديم جدا، ورغم اختفاء طقوسه لدى بعض من العائلات الورقلية إلا أن يناير قد استرجع مكانته التاريخية خلال السنوات الأخيرة، حيث أن الاحتفال به كان يتّسم بتحضير أكلة تقليدية شعبية يطلق عليها محليا «ايخف نيمسلمين»، وذلك بطهي رأس الماعز مع كسكسي «بالسراير»، والمتمثل في طبق الكسكسي المحضّر باستخدام الأعشاب الصّحراوية المعروفة، والتي تتوفر عليها في المنطقة. كما ذكر أنّ لحم رأس الماعز في القديم كان يؤكل ويتم دفن العظام حسبه في حفرة في المنزل تسمى «دزيوة انتيسفرت»، وهي حفرة كانت تجمع بعض قطرات الماء التي تنزل عن «القربة» لتشكل كمية كبيرة من الماء يستغله السكان قديما لغسل الأواني، وتوحي هذه الطريقة القديمة بأسلوب ونمط للحفاظ على المياه كان يعتمده الإنسان.
وأضاف الباحث أنه بعد دفن عظام رأس الماعز في الحفرة يتم سكب كمية من حليب الماعز عليه ومن ثمة يتم ردمه ويطلقون عليه اسم «ايخف نوسقاس» أي رأس السنة الأمازيغية. لذلك يقول المتحدث يعد هذا الطبق أساسيا في الاحتفالات بهذه المناسبة، في حين أن هناك بعض العائلات تحتفل بتحضير الخبز التقليدي من القمح بالمحصول المحلي الذي يحتفظون به كل سنة لصنع الفطير، وهي عادة تتشابه مع ما يعتمده سكان مناطق أخرى في الجزائر في الاحتفال بهذا اليوم.
ويوضّح عبد الهادي دادان أنّ رأس السنة الأمازيغية لدى كل الأمازيغ يستند إلى مرجعية أساسية تتمثل في انطلاق الموسم الفلاحي، والذي تختلف طبيعة محاصيله من منطقة إلى أخرى، ففي ورقلة يرتبط بموسم محصول التمور الذي تعرف به المنطقة، حيث يبدأ الموسم من بداية إنتاج النخلة إلى الانطلاق في جني محصول التمور أي من فصل إلى الربيع إلى غاية دخول فصل الشتاء، وبالتالي يبدأ موسم جديد بالنسبة للفلاح المحلي يسمى «ترقاوين» ليبدأ في مرحلة تهيئة الساقية، وينطلق في زراعة محاصيل أخرى غير التمور.
ويعتبر الباحث في التراث الأمازيغي خالد فرتوني أن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية في ورقلة يكون بتحضير رأس الخروف المعروف محليا «ايخف نيمسلمين»، وهو عبارة عن رأس خروف يطهى في الماء مضافا إليه الكسكس، في حين تحتفل به عائلات أخرى بتحضير طبق «إيشو دسراير»، وهو عبارة عن دقيق ممزوج مع أعشاب صحراوية يرفق بمرق حلو مصنوع من التمر، كما يتم تبادل هذه الأطباق بين الجيران والأحباب في جو يسوده الفرح والبهجة ببداية الموسم الفلاحي الجديد، وتحرص النسوة فيه والفتيات على ارتداء اللباس التقليدي الخاص بالمنطقة تعبيرا على انتهاء موسم واحتفالا باستقبال آخر جديد، حيث يكون أهل قصر ورقلة قد أنهوا جني التمور وابتهجوا بغلة «تاودانت»، وهي آخر ما ينضج من محصول التمر.
ويقول فرتوني أن اسم يناير قد يكون مشتقا من كلمة «إيني»، وهي عبارة عن ثلاث أحجار يوضع فيها القدر، حيث تغير هذه الأحجار مرة في السنة في يناير، ويعتقد أن يناير يرتبط لدى الأمازيغ عامة من واحات سيوى في مصر إلى جزر الكناري بانتصار الملك الأمازيغي شيشناق على فرعون واعتلائه عرش مصر سنة 950 ق.م، وأن طقوس الاحتفال به موجودة منذ القدم لدى الأمازيغ في كل أنحاء الوطن، إلا أن الاختلاف الإيجابي في عيد يناير خلال السنوات الأخيرة يكمن حسبه في أخذه طابعا وطنيا لتعزيز الشعور بأن الجزائر واحدة وتشترك في ذاكرة جماعية واحدة، حتى أصبح «يناير يجمعنا».