في هذا اليوم الأغر، وعند منتصف الليل، قامت ثلة من الشباب المناضلين الشرفاء بتفجير ثورة غيّرت، أوضاع الجزائر والجزائريين وتركت بصمات واضحة على وجه القارة وعلى النظام العالمي القائم آنذاك، حيث لم تقوّض الثورة الجزائرية النظام الاستعماري في الجزائر فقط، بل ساهمت مساهمة أكيدة في تقويض أركان الظاهرة الاستعمارية في القارة الأفريقية وفي آسيا وأمريكا اللاتينية.
لقد انتصرت النخبة المناضلة لأنها «رمت بالثورة في الشارع فاحتضنها الشعب»، ولأنها تمكنت من بناء علاقة مباشرة مع الشعب ولأنها آمنت بقضية ولأنها قرأت معطيات الظرف الدولي قراءة صحيحة، وتمكنت، بالخصوص، من أن تظل مستقلة عن قوى ذلك الظرف، شرقا وغربا وفي الإقليم.
هذه النخبة يمكن أن نقول إنها منتصرة على أكثر من صعيد، فهي انتصرت على الانسداد السياسي، الذي أصاب الحركة الوطنية وانتصرت على الإدارة الاستعمارية ومجموع أدواتها العسكرية والأمنية والدبلوماسية وعلى ترسانتها الإعلامية. لقد انتصرت هذه النخبة أيضا على المشاكل التي كانت يعيشها المجتمع الجزائري، ومنها العزلة التي كانت تعيشها المناطق والأمية التي كانت منتشرة على نطاق واسع.
إن فكرة الوطنية التي نشرتها، بالخصوص، نخبة حزب الشعب الجزائري، ثم تأسيس المنظمة السرية، كسرت مخططات الاستعمار في إنهاء وجود كل روح انتماء لوطن لجغرافيا محددة، ولهذا فإن نخبة نوفمبر أحدثت قطيعة مع كل حل تكتيكي ومع كل تأجيل للحسم السياسي، وانتصرت انتصارا باهرا في مسعاها، إنها نخبة منتصرة.
نخبة نوفمبر وحّدت الهدف ووحدت الشعب ونظمته في ثورة على الذات أولا وعلى الاستعمار ومخططاته ثانيا، لقد عممت جغرافية الوطن في أذهان الجزائريين كل الجزائريين بكل فئاتهم وألسنتهم، لم يكن الأمر بمثابة تحصيل الحاصل ولم يكن بسيطا بل مثل ثورة ذهنية مكّنت من بناء ما عجزت عنه أجيال وأجيال من الجزائريين.
نوفمبر كان أيضا مشروعا وطنيا متكاملا، حقق انتصارات ولكنه لم يبلغ الغاية والهدف، أي «إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية»، وينبغي أن تكون بداية جديدة للإعداد لاستكمال المسار.
النخبة المنتصرة أعطت الأمة جزائر الانتصار وأعطت لها مشروعا وطنيا غاياته كانت واضحة وينبغي أن يعود لها وهجها وأن تعود لها إرادتها وأن تسير البلاد على خطى جزائر الانتصار، وأن تحدث قطيعة كاملة وشاملة مع جزائر الفشل ومع جزائر التسلط ومع جزائر الفساد ومع جزائر العجز والرداءة.
إن الجزائر الجديدة تقوم على جزائر الانتصار وعلى العوامل التي صنعت هذا النصر، الوطنية وتجند الجزائريين وعلى التضحية ونكران الذات.