الزمن هو الذكرى 58 لاستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية، والعائد فيها هو المقاومة الشعبية التي ظلت ترفض الاستعمار واستشهدت فيها جحافل من المقاومين والمناضلين، والحدث هو ما يمكن أن نصفه التقاء الإرادة السياسية بوضوح وقوة مع «شرف التاريخ».
للتذكير، فإن عدد جماجم الجزائريين المحفوظة في المتحف الوطني الفرنسي للتاريخ الطبيعي بباريس، منذ سنة 1880، بلغ 536 جمجمة من مختلق مناطق الوطن، بما في ذلك رفات شريف بوبغلة (استشهد عام 1854) والشيخ بوزيان أحد زعماء ثورة الزعاطشة (استشهد عام 1849)، وأنه «من بين 536 جمجمة ورفات هناك من تعود لإنسان ما قبل التاريخ».
وبشهادة عضو من اللجنة التي تولت عملية التفاوض من أجل التوصل لاتفاق مع الطرف الفرنسي على استعادة جماجم ورفات هؤلاء الشهداء، التي اعتبرت «تراثا فرنسيا»، فإنه لولا قوة الإرادة السياسية للرئيس تبون لما تم التمكن من الوصول لهذه النتائج.
في هذا السياق، قال السيد رئيس الجمهورية في كلمته في حفل تقليد الرتب والأوسمة لضباط الجيش الوطني الشعبي على الخصوص ما يلي:
«...إن احتفالات هذه السنة بعيد الاستقلال، ستكون أَيضا لحظةً من اللحظات الحاسمة في تارِيخِ الأمة، فهي تتميز باسترجاعِ رفات مجموعة من شهداء المقاومة الشعبية الأبطا الذين تصدوا للاحتلال الفرنسي الغاشم، في الفترة ما بين 1832 و1865، وأَبى العدو المتوحش إلا أَن يقطع آنذاك رؤوسهم عن أجسامهم الطاهرة نكايةً في الثوارِ، ثم قطع بها البحر حتى لا تكون قبورهم رمزا للمقاومة ودليلا على رفض الاحتلال، ظنا منه أن معركةَ الحرية والكرامة والاستقلال ستنتهي بنفيهم ومحو آثارِهم، وغاب عنه أن أرواحهم باقيةٌ في وطنهم وهي الآن معنا في هذه الرِحاب، شاهدة على هذه الوقفة التارِيخية لأَحفادهم...».
إن احتفاظ فرنسا بهذه الجماجم وتلك الرفات لا معنى له، إلا الإبقاء عليهم «سجناء»، عقوبة لهم على مقاومتهم لفرنسا الاستعمارية، واستعادتهم هو تحرير لهم واستعادة لجزء من شرف تاريخنا المغتصب.
إن استعادة الدولة الجزائرية لرفاتهم، بعد ما يقرب من القرن ونصف القرن، ترجم إرادة سياسية حازمة في جعل استعادة الذاكرة، كل الذاكرة مقاومة ونضالات وثورة، معيارا ومنطلقا تُبنى عليه آفاق كل علاقة مستقبلية.
لقد وجه الرئيس عبد المجيد تبون دعوة «...للشباب بكل فئاته للإقتداء بهؤلاء الأبطال والتشبّع بالروح الوطنية والتحلي بالأخلاق لتحصين وحدة هذه الأمة...».
إن قوة الرمزية في هذه الإرادة السياسية للرئيس عبد المجيد تبون، تؤسس لمنهجية واضحة: بناء المستقبل ينطلق من «شرف التاريخ»، من المقاومة ومن الثورة ومن تضحيات ملايين الجزائريين، من أجل حرية وسؤدد جزائر اليوم.
عندما تقوم جزائر المستقبل على «شرف التاريخ» لا يمكنها أن تكون إلا جزائر الكرامة لكل الجزائريين، ولا يمكن لجزائر تقدّس نضالات وتضحيات الأسلاف، أن تتخلى اليوم عن جزء من الجزائريين في مناطق الظل وفي البيوت الهشة وفي معاناة يومية من الظلم والتقصير الذي خلفته ممارسات سلطوية.
إن التقاء الإرادة السياسية بـ»شرف التاريخ»، في زمن تعمل الإرادة السياسية على الانتهاء من نظام سلطوي بقطيعة سياسية مؤسساتية قائمة على الاستجابة الفاعلة والفعّالة لتطلعات الجزائريين، المعبّر عنها في الحراك وعبر مختلف نضالاتهم، يؤشر للمحتوى الحقيقي لهذا التغيير وهذا التحوّل.
إن الإرادة السياسية، بمحتوى التغيير والتحوّل الذي أخذت به وأكدته، سيكون مقدمة قوية لبناء إرادة وطنية فاعلة تحمي هذا التغيير وتعطيه الدفع اللازم الذي يمكنه من التغلّب على تلاعبات ومناورات «قوى الجمود» السلطوية والمصلحية.
وغنيّ عن القول، إن النجاح الأكيد هو في تلاقي الإرادة السياسية بإرادة وطنية، وذلك صار ممكنا بل صار الغاية المنشودة من قبل الإرادة السياسية، وأن ضمان النجاح الدائم هو بناء دولة المؤسسات ودولة سيادة القانون ودولة العدل والعدالة من خلال دستور حديث وتوافقي.
«الشعب»