كانت مجرد فكرة تحولت إلى مشروع استراتيجي له دلالته ومعناه، تجاوبت معه أمم المعمورة والتزمت بمضمونه لجعل الحوار قاسما مشتركا وقاعدة لإذابة الجليد وإزالة الخلافات، مهما كبرت وتعقدت. إنه اليوم العالمي للعيش معا في سلام، الذي يحتفل بذكراه الثالثة في ظرف استثنائي وطوارئ فرضها كورونا، محتما على الجميع تقبل بعضهم البعض وجعل من تباينهم وتنوعهم قوة بناء وتطور.
اليوم العالمي للعيش معا، مبادرة جزائرية بامتياز، اعتمدتها الجمعية العامة الأممية ثلاث سنوات مضت، محطة فاصلة لتصحيح اختلالات في العلاقات الدولية، جراء التمادي في احتكار القرار الدولي تطبيقا للمركزية المنبثقة عن اتفاقات يالطا، بوتسدام وسان فرانسيسكو. وهي مركزية تغلق الأبواب أمام التغيير الطارئ والمتسارع جراء صعود وحدات سياسية جديدة لمسرح الأحداث حاملة رؤى أخرى لدمقرطة المجتمع الدولي في أبعد مداه.
العيش معا في سلام، يعكس قيما دبلوماسية جزائرية، اتجاهاتها ومقاربتها في إدارة شؤون العالم السياسي بروح مسئولة، غايتها تعميم السلم والأمن والاستقرار، اعتمادا على ثقافة الحوار والمشورة السياسية التي لا تسمح بأي اهتزاز وتوتر.
هي دبلوماسية تراهن على الوساطة خيارا لعلاج تعقيدات الراهن، بعيدا عن تهديدات الخارج وأساليب الحروب بالوكالة المدمرة والتي أدخلت دولا في حالة لا إستقرار ومآس. والمثال ما يجري في دول الجوار، ليبيا تحديدا، حيث الأزمة معلقة والحل السياسي مؤجل، رغم عشرات اللوائح والاجتماعات، آخرها مؤتمر برلين، الذي ضبط خارطة طريق للمرور إلى مرحلة جديد من التهدئة وزرع الثقة عبر حوار يحدد أرضية التوافق للمخرج الآمن.
كورونا الذي حل بدون استئذان واقتحم الأوطان بلا تأشيرة، يعيد للأذهان أهمية العيش معا، مبرزا بالملموس قيمته ورمزيته ومرجعيته في عالم القرية الواحدة، حيث تلاشت الحدود وانهارت حواجز الجغرافيا وقربت المسافات البعيدة، ووجدت الدول نفسها في خارطة جيوسياسية تحتم العمل معا والتقارب أكثر من ذي قبل لمواجهة فيروس لا يخيّر بين ضحاياه ولا يضع فواصل بين من هو متقدم أو متخلف، الكل سواسية أمام مصير يحتم عملا مشتركا ومقاومة واحدة لوباء فتاك، سريع الانتشار لم تعرفه البشرية من قبل.
الأزمة الصحية التي شغلت الورى وأدخلت مخابر في طوارئ بحثا عن علاج آمن، أعادت لمعادلة العيش معا توازنها ومنحتها قيمة مضافة، مكرسة ثقافة تقاسم الأعباء وإرادة في العمل معا بروح تآخ ومحبة وتضامن يشعر فيه الكل بمكانة تحت الشمس ويدرك بقناعة أنه شريك فعلي وفاعل في لعبة الأمم.