فجر فيروس كورونا طاقات جزائرية أثبتت جدارة في ابتكار أجهزة طبية وصيدلانية لها وزنها وقيمتها في مواجهة الداء الخطير، معيدة للأذهان مكانة النخب والكفاءات ودورها في تسيير الأزمات دون تركها على الهامش تكتفي بتنفيذ القرارات والمرافقة عن بعد.
منذ بداية مواجهة الوباء، اتخذت الكفاءات الجزائرية المبادرة بعزم لتكون في الصفوف الأمامية رافعة التحدي، متقاسمة المهام مع «الجيش الأبيض» والشركاء في المعركة الحاسمة للحد من تفشي الفيروس ووضعه تحت السيطرة بأقل كلفة وأقوى فعالية.
ابتكارات تمت بمخابر جامعية وطبية في ظرف صعب، أكدت على مدلول مقولة متداولة :»الحاجة أم الاختراع»،متجاوبة مع مراسيم تنفيذية مشجعة للاستثمار، محفزة لروح المبادرة، خدمة للعلامة الجزائرية في عولمة المعرفة والاقتصاد الرقمي.
هنا، يدرج جهاز الكشف السريع لفيروس كورونا الذي أنجزته شركة جزائرية بشراكة أردنية وكندية في هذا الظرف الصحي الاستثنائي. ما يميز اختبار الكشف الذي شرع في إنتاج 200 ألف وحدة أسبوعيا، أنه يقدم نتائج تحاليل في 15 دقيقة لحامل الفيروس دون أعراض، مما يعجل باتخاذ الاحتياطات الوقائية والعلاجية الفورية.
يضاف هذا الابتكار، إلى جهود كفاءات ومواهب أثبتت قدراتها في إنتاج مستلزمات طبية وصحية، مساهمة في التقليل من التبعية للخارج، مبرهنة على فعل المستحيل متى وضعت ثقة فيها وهيّئت لها الأجواء والمناخ. وتمتد ابتكارات المخابر والمؤسسات التي أعادت الى الواجهة دور الجامعة كقاطرة تطور وفرض حلول لتعقيدات الظرف وأزماته، الى مجالات حيوية استراتيجية، بعضها يمس التطبيب عن بعد وآخر صناعات صيدلانية ودوائية وتجهيزات وقائية يحسب لها الحساب.
لأول مرة، نسجل تقاربا بين الجامعة والقطاع الاقتصادي وإقامة شراكة منتجة وفق دفتر شروط محددة، تشجع الكفاءات على توظيف معارفها وتجاربها في تقديم الحلول لمشاكل طارئة تحتم الاعتماد على الذات والكف عن وصفات الآخر الغارق بدوره في البحث عن مخرج آمن من وباء كورونا الفتاك.
يجب الاعتراف بأن ابتكارات الكفاءات الوطنية واختراعاتهم المتعددة، قد قلصت من استيراد المنتجات والتجهيزات الطبية والعلمية، معززة بذلك الخيار السياسي في الاعتماد على الذات، سعيا لتأمين الأمن الصحي في زمن تفرض فيه هذه المقاربة الاستشرافية، تجاوزا للراهن الصعب الذي زاده تعقيدا تراجع مداخيل البلاد بسبب انهيار أسعار البترول وتداعيات «كوفيد-19» على منظومة اقتصادية، تعمل بغير طاقتها، تفرض إصلاحات جذرية لاستكمال الاستقلال الاقتصادي، كل الرهان.