تعود الذكرى 75 لمجازر الثامن ماي 1945، في ظرف استثنائي تخوض فيه الجزائر معركة مصيرية أخرى غايتها حماية المواطنين وتعزيز السلامة الصحية في مواجهة وباء كورونا المستجد.
الذكرى التي خلدت بطريقة غير مألوفة، ميزها صدور قرارين، الأول يجعل من الحدث يوما وطنيا للذاكرة، والثاني يخص إطلاق قناة تلفزيونية تهتم بالتاريخ الوطني وتطلع الأجيال بنضالات وتضحيات الأسلاف في سبيل استعادة الحرية واستكمال البناء الوطني، تجسيدا لمشروع يرسخ الهوية والانتماء ويعطي للوطن الأمين مكانة مستحقة بين الأمم مثلما أوصى بها الشهداء واعتبروها أمانة في الأعناق.
الثامن ماي، محطة فاصلة في ذاكرة الأمة، ومنعرج حاسم في مسار تحررها، إقتنع به شباب متعطش للحرية، قرر مصيره برفع السلاح باعتباره لغة وحيدة يفهمها الغزاة وممرا حتميا لاستعادة سيادة بلد أقسم بالنازلات الماحقات، عدم البقاء أسير الوعود الوهمية لمستعمر تنكر لوجود أمة جزائرية في التاريخ، وتلاعب قادة حركة وطنية وصراعاتهم غير المجدية وطروحاتهم المشككة في قدرة شباب منتفض أخذ زمام الأمور باتباع منهجية جديدة في الكفاح ترفض عبادة الشخصية وتتخذ من المشورة الجماعية قاعدة آمرة ثابتة لا تقبل المساس.
الثامن ماي، كشف عن وعي مترسخ وإرادة لا تقهر في إعلاء شأن جزائر اقسمت ان لا تكون فرنسية واتخذت من الأسلوب الثوري، استراتيجية لانهاء مشروع استيطاني فرنسي وهمي وإيصال القضية العادلة الى أبعد منطقة في المعمورة، اعتمادا على حروب جبهة داخلية مشتعلة، ودبلوماسية أسست لمبادئ جديدة للقانون الدولي ممثلة في حق الشعوب في تقرير مصيرها وميلاد تجمعات وكتل ترافع لنظام دولي جديد يرسخ لـ «دمقرطة» العلاقات الدولية.
الثامن ماي، محطة لاستخلاص العبر من نضال الرواد وتضحياتهم ورسالة للأجيال بأن تقرير المصير يفرض رؤية استشرافية تحدد معالم النضال وآليات تجسيد البناء، قوامه الوحدة الوطنية وعدم الانسياق وراء الانقسام والتشتت بادعاء كل واحد أن فكره أحق بالاتباع وصورته أجدر بالاستماع.
عكس هذا التوجه فرض منهج بديل واستعيد بفضله الاستقلال الوطني، وهذه التجربة جديرة بالاعتماد في المرحلة الراهنة التي تخوض فيها البلاد مسار تحول جذري وإصلاحات شاملة لاستكمال مشروع الدولة الوطنية المبنية على المؤسسات لا الأفراد، حيث التداول على الحكم خيار أسمى والفصل بين السلطات غير قابل للتنازل، واستقلالية السلطة القضائية مبدأ ثابت والوقاية من الفساد واجب وطني، أكدته مسودة مشروع تعديل الدستور المعرض للنقاش يراهن عليها في التغيير المنشود استجابة لتطلعات.