قرارات فاصلة اتخذها مجلس الوزراء تنمّ عن رؤية استشرافية تجاه تعقيدات الظرف الراهن ومسائل تنتظر حلولا جذرية لا تحتمل الانتظار.
هذه القرارات تجيب على أسئلة تخص التدابير الكفيلة بتسيير مرحلة صعبة يميزها تراجع مداخيل المحروقات وتداعيات كورونا الخطير على الآلة الإنتاجية وعالم الشغل وحركة منظومة اقتصادية تسابق الزمن من أجل التحول.
تتمثل القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء، الذي أبقى النقاش مفتوحا لحسم قضايا أخرى لاحقا، مثل قانون المالية التكميلي والموسم الدراسي الراهن، في تخفيض ميزانية التسيير بـ50٪ بدل 30٪، إلغاء الضريبة على المداخيل التي تقل أو تساوي 30 ألف دج ورفع الأجر الوطني الأدنى المضمون إلى 20 ألف دج.
من القرارات الهامة التي تستدعي وقفة تحليلية، تعميم الرقمنة للخروج من الإحصاءات التقريبية إلى الأرقام الدقيقة التي يستند إليها في اتخاذ أي إجراء لعلاج وضع مهتز أو التجاوب مع ظرف طارئ بواقعية وبعد نظر.
تم التأكيد مطولا على الرقمنة التي تساعد على خلق اقتصاد قوي يراهن عليه في الظرف الصعب أمام تراجع عائدات المحروقات وتداعيات فيروس كورونا الذي أضر كثيرا بأداة الإنتاج وترك المؤسسات تسير بوتيرة لا تسمح باستحداث الثروة والتشغيل والقيمة المضافة.
إنها مسائل مطروحة أمام لقاء الثلاثية، الذي يجري التحضير له لوضع خارطة طريق تحدد خيارات حلول لانطلاقة اقتصادية تأخذ في الاعتبار آثار كورونا.
تجاوب الشركاء الاقتصاديون الاجتماعيون مع مسعى التحضير للثلاثية في الأسابيع القادمة لمناقشة التغيير الاقتصادي ووضع المؤسسات التي تسير بنصف طاقتها وفقدت الكثير من رقم أعمالها جراء جائحة كورونا.
ويجمع الشركاء على أن الظرف الطارئ يستدعي رؤية بديلة ومقاربة تمهد الأرضية للنموذج الاقتصادي الشغل الشاغل وما يتبعه من تدابير جادة لتحرير الاستثمار من عراقيل بيروقراطية وتحريك عجلة إصلاح المنظومة البنكية وجعلها أداة مصرفية ترافق المشاريع وتستقطب الكتلة المالية بالسوق الموازية ولا تكتفي بدور شباك الدفع فقط.
كما يراهن الشركاء على وظيفة المرافقة البنكية في إنجاز المشاريع الاستراتيجية، لاسيما في قطاعي الصناعة والفلاحة التي حققت قفزة نوعية تمثلها الوفرة المسجلة في المواد الغذائية الاستهلاكية، مساهمة في تقليص الواردات بنسبة كبيرة، حيث ثؤكد الأرقام بلوغ فاتورة الاستيراد 1.293 مليار دولار خلال شهري جانفي وفيفري الماضيين بدل 1.340 مليار دولار. هذه الأرقام تثبت بالملموس، أن الفلاحة هي من تصنع العصر الذهبي للجزائر التي تستعد لورشات إصلاح يراهن عليها في كسب معركة التنوع الاقتصادي بأسرع فرصة وتحد.