جاء يوم العلم الذي لم تحتفل به هذه السنة بالطريقة المألوفة ببلادنا، لكنه أظهر في زمن كورونا مدى أهمية العلوم والمعارف في تقدّم الأمم وترقيتها، كاشفا عن مكانة النخب ودورها المحوري في معادلة البناء والتطور. فرض كورونا هذا المعطى الثابت وكشف عن قيمته وأسسه في النهضة والرقي ومن لا يأخذ بهذه القاعدة يجد نفسه خارج التاريخ.
قلب وباء كورونا كلّ الأنظمة الصحية والاقتصادية رأسا على عقب، وأدّى بكبريات الصناعات الحربية والالكترونية إلى مراجعة حساباتها وضبط أولوياتها في إنتاج ما يفرضه الظرف الطارئ من مواد صحية وطبية لحماية الإنسان من فيروس لا يعترف بحواجز الجغرافيا وبعد المسافات.
العبرة المأخوذة من هذا المتغير الراهن، هو مراجعة المنظومة التربوية التي تقع عليها مسؤولية تكوين موارد بشرية وتخرج كفاءات للمستقبل يحملون معايير التسيير وإدارة الأزمات والقيادة برؤية استشرافية تحدّد مكامن القوّة وتضبط وسائل المواجهة قبل الطوارئ.
هذه مسألة ضمن أولويات الجزائر الجديدة التي تشيّد عبر ورشات إصلاح وتغيير تنفيذا لالتزامات شدّد عليها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في مسار التقويم والتجدّد، متوقفا عندها في ذكرى يوم العلم مقدّما الأبعاد والخلفيات، محدّدا خارطة طريق ترصد المستقبل دون تجاهل الماضي والحاضر.
إنطلاقا من المقولة «شعبٌ يقْرأ، شعبٌ لا يجوع ولا يُستَعْبد»، فإنّ المنظومة التربوية مطالبة بأن تكون وليدة زمانها، توفر للوافدين عليها تحصيلا علميا معرفيا يؤهلهم لتقلّد مناصب في أيّ موقع وتولي مسؤولية إدارة شؤون الرعية بالكيفية المطلوبة والتكفل بهمومها ومشاكلها مهما كبرت وتعقدت. المثال الحيّ تقدّمه الأطقم الطبية وشبه الطبية في مواجهة محنة وباء بمؤهلات وتجارب.
من هنا كان الرئيس تبون حريصا على تجديد التزامه بشأن العناية بالأسرة التربوية لصنع نهضة وطنية تكون المدرسة الجزائرية أساسها ومنطلقها وغايتها. وهو التزام يضع في الحسبان مكانة المعلم والأستاذ الباحث في التأسيس لإقامة الدولة الوطنية الحديثة تستعيد هيبتها ويشعر كل مواطن فيها بمكان تحت الشمس.
من هذه الزاوية انخرطت النخب الصحية في مواجهة الفيروس التاجي وتخوض في الصفوف الأولى معركة مصيرية لإنقاذ حياة مواطنين تحت وطأة وباء غادر، مرافقة من شركاء في مختلف الشعب العلمية لم يستسلموا للهلع وموجات التهويل من تجار الأزمات، متحدين الظرف الصعب بابتكارات واختراعات ومنصات رقمية تبرهن أن العلم مفتاح العقل وسرّ النهضة على الإطلاق، وأنه السلاح الفتاك الذي يقهر فيروس كورونا عاجلا أم آجلا.