دستور وتطلّعات

بقلم: فنيدس بن بلة
02 مارس 2020

أنعشت ورشة مراجعة الدستور، المشهد السياسي، فاتحة المجال لنقاش قانوني ثري بين مختلف الفاعلين، تباينت اتجاهاتهم الفكرية واتفقت على طرح واحد؛ علاج فجوات سابقة في ممارسات الحكم وتناقض صلاحيات سلطات وتداخلها لا تقبلها المرحلة الجديدة، التي تفرض نجاعة واستقامة في تسيير مؤسسات الجمهورية وإدارة الشأن العام استجابة للتغيير الجذري المنشود.
ندوات فكرية هنا وهناك، اتخذت من منابر إعلامية وعلمية أرضية انطلاق أظهرت حقيقة ثابتة، أن مراجعة الدستور تحظى بالأولوية لدى الطبقة السياسية، شخصيات وطنية وجمعيات، تتوافق في البحث عن أي دستور أنسب للجزائر الجديدة التي أعلنت القطيعة مع ممارسات سابقة وتسابق الزمن من أجل التجدّد والتقويم.
الدستور التوافقي محور الجدل والإثراء، يترجم مرحلة استثنائية دشنت بعد أزمة سياسية حادة خرجت منها البلاد، اعتمادا على الخيار السلمي الذي أمّنها من السقوط في فوضى وانسداد لا مخرج منه. فكان التأكيد على جدية الطرح والواقعية التي تستلزم التحلي برؤية متبصرة واستشراف يمهد أرضية صلبة للمشروع الوطني المعول عليه لتأسيس دولة حديثة تكون ابنة زمانها، تتكيف مع التحولات وتستجيب لتطلعات مواطنين هتفوا بملء الفم من أجل إصلاحات عميقة لمؤسسات الجمهورية ومنظومة الحكم، تقوم على تداول السلطة وما يسمح به من اعتلاء جيل من الكفاءات للقيادة واتخاذ القرار.
كشفت هذا المعطى الثابت، الحوارات المفتوحة، التي أظهرت وعيا سياسيا كبيرا ومسؤولية في التعاطي مع قضايا الوطن الجوهرية وتحديات الظرف، مساهمة في البناء وفق تطلعات تحضير دستور جامع يُراد له أن يكون في مستوى الانطلاقة الجديدة التي تكرس فيها الديمقراطية وتؤسس للفصل الحقيقي بين السلطات ومراعاة وظيفة كل واحدة وصلاحياتها بعيدا عن سيطرة التنفيذية واستحواذها على القرار دون القبول بتقاسم وظيفي وتكامل مهام.
يجمع الفاعلون في ندوات النقاش، على أن الدستور التوافقي المرتقب، الذي تتولى لجنة مختصة مراجعة بنوده، يؤسس لمرحلة حاسمة تراعي المطلب الملح حول تعزيز وتوسيع صلاحيات البرلمان الرقابية ويحدد في ذات الوقت الحصانة البرلمانية واقتصارها على الأفعال الواردة في سياق النشاط التشريعي، الذي تضمنه مخطط عمل الحكومة المشدد على حماية الحقوق والحريات.
ضمن هذه الحركية، برزت الجامعة الجزائرية في واجهة الأحداث، مؤكدة على دورها الطبيعي في قيادة الأمة بعرض مقترحات حلول ومقاربة لاستحداث آليات التغيير ومجالس البناء في إطار دمقرطة الحياة العامة بصفة تسمح للكفاءات الشابة إظهار قدراتها الخلاقة التي تعكس مدى الوعي برهانات الحاضر والآتي، باعتبارها المدخل الآمن للممارسة الديمقراطية السليمة وإدارة الحكم في أوسع مداه.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19639

العدد 19639

الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
العدد 19638

العدد 19638

الإثنين 02 ديسمبر 2024
العدد 19637

العدد 19637

الأحد 01 ديسمبر 2024
العدد 19636

العدد 19636

السبت 30 نوفمبر 2024